الوقت- تشهد فرنسا بين الحين والآخر موجة من الأعمال الإرهابية، فيما يتم الكشف عن عمليات أخرى تم إحباطها، وآخر هذه الأعمال ما كشف عنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الأربعاء الماضي خلال لقائه الرئيس المكسيكي "انريكي بينا نييتو" في مرسيليا، حيث صرح عن مجموعة من الأعمال الإرهابية التي تم إحباطها، ويأتي ذلك بالتزامن مع موجة من الإنفجارات شهدها مصنع بتروكيميائي قريب من مرسيليا بالإضافة إلى حرائق قريبة من المصنع، سبق هذه الأعمال الإجرامية بأسبوع حادثة سرقة صواعق ومتفجرات من موقع عسكري للتخزين على بعد ما يقارب الثلاثين مترا من الموقع البتروكيميائي، وهذه الأعمال الأخيرة سبقها بأشهر حادثة مقتل 17 صحفيا أمام صحيفة "يولاندس بوستن" بالإضافة إلى العديد من الأعمال التي يتم إحباطها. الرئيس الفرنسي إعتبر وفي تصريح أخير أدلى به ان "التهديد الإرهابي لم يكن مطلقا بهذه الكثافة وهذه القوة في الخارج كما في داخل فرنسا"، فيما كلف 30 الف جندي وشرطي ودركي في فرنسا لتوفير الأمن وخاصة للمواقع الحساسة وأماكن العبادة والمدارس التابعة لطوائف دينية والمواقع الصناعية ومحطات النقل البري.
سياسات فرنسا المتبعة على مدى أعوام
هذه الأعمال الإرهابية التي تشهدها فرنسا لا شك أنها تأتي بسبب الدعم الذي تقدمه للجماعات التكفيرية الإرهابية والمنتشرة في العالم، ففرنسا وعلى مدى أعوام قدمت الدعم للجماعات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط كما القارة الافريقية، الدعم الفرنسي والذي استخدمت فيه كافة الوسائل من السياسي والإعلامي واللوجستي إلى المادي كان نتيجته أن انقلب السحر على الساحر، اعلاميا غذت فرنسا الفكر الإلغائي التكفيري من خلال وسائلها التي استخدمت للإستهزاء بالديانات، ليأتي دور الدعم السياسي الذي غطى الوسائل المحلية والأجنبية في ذلك بالإضافة إلى سياسات فرنسا المتبعة مع دول المنطقة والقائمة على أسس التدخل في شؤونها من خلال دعمها جماعات التكفير وعقد صفقات بيع الأسلحة إلى ما هنالك من خطوات في هذا السبيل روجت لحالة مضطربة في المنطقة والتي بدأت تبرز معالمها في الأشهر الأخيرة في فرنسا.
تداعيات السياسات الفرنسية
هذه السياسات الفرنسية المنتهجة في ترويجها ودعمها للإرهاب أدت في آخر المطاف إلى أن تنتقل إلى فرنسا نفسها والتي تظهر اليوم بأشكال عديدة ويتحدث عنها المسؤولون الفرنسيون ويبدون تخوفهم، وفي عرض لبعض هذه الأشكال التي تعاني منها فرنسا نذكر النقاط التالية:
- تشير الإحصائيات الأخيرة والتي أجرتها مراكز الأبحاث العالمية والمستندة إلى التقارير التي أجرتها المخابرات الفرنسية إلى الأعداد المتزايدة بشكل مستمر للعناصر من أصحاب الجنسيات الفرنسية المنضمين إلى الجماعات التكفيرية في كل من سوريا والعراق وليبيا، ففي بداية العام 2014 بلغ عدد الفرنسيين 555 شخصا ليرتفع خلال عام إلى 1281 في الـ 2015 وهو ما يسجل نسبة إرتفاع 130%. هذه النسبة عادت لتشهد ارتفاعا ملحوظا بلغ ما نسبته 20 شخصا منضما لهذه الجماعات كل أسبوع، هذا بالإضافة إلى المحاولات الكثيرة لفرنسيين تم استدراكهم واحتجازهم قبل وصولهم إلى يد الجماعات التكفيرية.
- الأشخاص العائدون من سوريا والعراق والذين عملوا مع الجماعات التكفيرية هناك، والذين يعتبروا قنبلة موقوتة بحسب تصريح السلطات الفرنسية، حيث يشكل هؤلاء الأشخاص تهديدا للأمن الفرنسي بسبب الإعتقادات التي حملوها معهم والإنحرافات في المسلك، بالإضافة الى الصدمات التي يعانون منها جراء المعارك التي حضروها هناك وشاركوا بها.
- الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد والتي بدأت تشكل حالة قلق وبوادر إختلال في الأمن حيث يشتكي المواطنون من تزايد وتيرة هذه الأعمال، وهناك المظاهرات المستمرة والتي تطالب الحكومة بالكف عن دعم الجماعات الإرهابية والتوقف عن السياسات الخاطئة التي تنتهجها حكومتهم في هذا السبيل، هذا بالإضافة إلى التقارير التي تتحدث عن تفكيك خلايا إرهابية كانت تنوي القيام بأعمال تخريبية على الأراضي الفرنسية.
- من أهم التداعيات للسياسات الفرنسية الداعمة للفكر الإرهابي هي العلاقات الدولية التي تجريها فرنسا مع دول العالم والتي ستشهد تهديدا حقيقيا بسبب التناقض بين المواقف الفرنسية المعلنة والمروجة إلى أنها تقف ضد إنتشار الإرهاب من جهة، وبين الواقع العملاني الإجرائي على الأرض والذي يشير إلى خلاف ذلك، إذن من شأن هذا التناقض أن يزعزع علاقات فرنسا الدولية.
حلول جادة
إذن على فرنسا إتخاذ خطوات عملية وتقديم مبادرات جادة في سبيل الخروج من الأزمة التي على الأرجح بدأت بوادرها تظهر إلى العلن وهي مرجحة للمزيد، هذه المبادرات والخطوات العملانية لا بد أن تكون إنطلاقتها الأولى من إتخاذ خطوات جريئة بالكف عن دعم الجماعات الإرهابية في العالم من جهة، والكف عن التدخل في شؤون ومصير الدول من جهة أخرى، وإجراء تعاون حقيقي مع الدول المتضررة من هذه الجماعات كسوريا والعراق وغيرهما، وبناء سياسة إعلامية هادفة وبعيدة عن التحريض.