الوقت - في نظرة عابرة على السياسات التجارية الأمريكية خلال عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب وبوصلة الحرب التجارية التي وجّهت من قبل الأخير إلى العالم أجمع بهدف ما يسمى "استعادة العظمة الأمريكية"، ستظهر أخطاء فادحة كثيرة من شأنها أن تخلّف أضراراً كبيرة على الوضع الاقتصادي في هذا البلد.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يرى خبراء الشؤون الاقتصادية أن ترامب ارتكب خطأ فادحاً عبر قراره بفرض "رسوم عقابية" بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب زاعماً أن ذلك سيسهم في النهوض بمستوى التجارة في بلاده على حساب الشركات التجارية الأجنبية، لكن العكس كان صحيحاً حيث تسبّب قرار الرئيس الأمريكي هذا في تعريض التجارة الداخلية إلى أكبر نسبة من الأضرار.
ورغم الدعم الحكومي الذي تتلقاه كبرى الشركات المنتجة للصلب في أمريكا، لكن بحسب المحللين، هذا الدعم كان مكلفاً للغاية بالنسبة لوضع الاقتصاد العام في هذا البلد.
وقد تأكدت هذه النتائج من خلال الأرباح التي جنتها شركة "نوكور" المصنعة للصلب في أمريكا وأيضاً "شركة الصلب الأمريكية" عقب قرار ترامب بفرض الرسوم العقابية وما نتج عنها من زيادة في أسعار منتجاتهما.
لكن الأمر جاء على حساب آلاف الشركات المستهلكة للصلب في أمريكا والتي اضطرت إلى شراء منتجات نوكور والشركة الأمريكية المصنعة للصلب بأسعار باهظة.
وعلي سبيل المثال، عندما كانت شركة نوكور تعيش فرحة الأرباح الطائلة، أعلنت شركة فورد المصنعة للسيارات عن تراجع في قيمة أرباحها بنسبة 50 بالمئة، وإلى جانبها شركة "جنرال موتورز" التي تحدثت عن أضرار بنسبة 33 بالمئة في حجم الأرباح لديها.
هذه التطورات الناجمة عن سياسات ترامب التجارية الخاطئة أدت إلى نتائج سلبية أخرى في الوسط الاقتصادي الأمريكي متمثلة في تقويض الفرص والنشاطات التجارية أو مغادرة الشركات الصناعية البارزة إلى دول أخرى.
شركة "هارلي ديفيدسون" المصنعة للدراجات النارية هي واحدة من الشركات التي أرغمت على نقل خط الإنتاج لدراجات نارية من فئة "هاكس" إلى تايلاند ووقف الصادرات إلى أوروبا، وذلك على خلفية فرض الرسوم العقابية المماثلة من جانب بعض البلدان الأوروبية.
شركة هارلي ديفيدسون لديها مبرراتها بشأن التغيير الحاصل في سياساتها التجارية، لكن ذلك شكّل صدمة مهلكة بالنسبة للقوى العاملة لدى هذه الشركة الذين أدلوا بأصواتهم لمصلحة ترامب خلال انتخابات العام 2016.
وربما الإمكانية متاحة للشركات الأمريكية المتضررة من الرسوم المفروضة على واردات الصلب أن تطالب بإلغاء قرار ترامب (وزارة التجارة الأمريكية أعلنت عن استلام 20 ألف طلب بالإعفاء من الرسوم العقابية)، لكن في المقابل هناك شركتا نوكور والشركة الأمريكية المنتجة للصلب وغيرها من الشركات الكبرى التي تعرف جيداً أسلوب التعاطي مع هذه الآلية السياسية ولا ترغب في إلغائها.
المراقبون للشأن الاقتصادي في أمريكا، وفي ضوء ما تقدم، يؤكدون أن الرئيس الأمريكي الحالي يعمد من خلال حربه التجارية إلى النهوض بمستوى التجارة في بلاده، لافتين في الوقت نفسه إلى أن هذه السياسة جاءت بنتائج عكسية تماماً.
ويضيف هؤلاء الخبراء إن سياسة الرسوم العقابية التي فرضها ترامب على الصين وأوروبا والتي كان من المتوقع أن تؤدي إلى معالجة الشرخ التجاري في أمريكا، أدّت إلى أضرار اقتصادية بليغة.
وتشير الإحصائيات ذات الصلة أيضاً إلى أن العجز التجاري في أمريكا بلغ خلال شهر يونيو الماضي 7.3 بالمئة.
الخبراء لم يستغربوا من هذه النتائج لأنهم كانوا قد تكهنوا بها منذ البدء بتنفيذ سياسة الرسوم العقابية وما ترتب عليها من عقبات أمام الاقتصاد الأمريكي.
المحللون يرون أيضاً بأن العجز التجاري في أمريكا جاء نتيجة لارتفاع حجم الاستهلاك مقابل تراجع الإنتاج، أو زيادة نفقات الإدارة الأمريكية مقارنة بعائداتها.
ويضاف إلى ذلك، تنامي قيمة الدولار الذي أدّى إلى ارتفاع حجم الاستيراد في أمريكا، ليشهد العجز المالي زيادة ملحوظة خلال السنة المالية للعام 2018 والذي بلغ 833 مليار دولار، مقارنة بالعام 2016 الذي كان قد وصل إلى 585 مليار دولار.
وبالتالي، تجدر الإشارة إلى أن الإجراءات الاقتصادية غير المنطقية التي تستهدف مصالح الناخبين بذريعة "استعادة الهيمنة الأمريكية" تستدعي طبيعة معقّدة وغير مرنة وهي المتمثلة في شخصية الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين.