الوقت-تشهد السياسة الخارجية السعودية هذه الأيام أزمة حقيقية لم تشهدها من قبل على مرّ العقود، حيث أصبحت الشائعات والخلافات التي كرسها السعوديون قبل عقد من الزمان، وذلك للحفاظ على وجودهم، جزءاً من نهج سياسة بلادهم الخارجية، كما أن مشاركتهم المباشرة في الأزمات المحيطة زادت من الضغوط عليهم وعوضاً عن حل مشكلات السعوديين في العلاقات الخارجية، وتعقدت الأمور أكثر وأكثر، ومن بين هذه الأزمات نذكر الأمثلة التالية: الحرب اليمنية واعتقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وحصار قطر، والتوتر الدبلوماسي مع ألمانيا، وأزمة العلاقات مع كندا مؤخراً، وأمام هذه الأزمات التي تعصف بالسياسة الخارجية السعودية فإن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل ستكون هذه الأزمة مؤقتة وعابرة، أم إن السعودية ستواجه أزمة كبيرة في القادم من الأيام؟
1-السياسة الخارجية العدوانية
منذ وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الحكم في البلاد، شهدت السياسة الخارجية السعودية تحولاً كبيراً، حيث انتقلت من السلمية في بعض الأماكن الى العدوانية اللامتناهية في التعاطي مع مختلف البلدان وحتى مع بعض الحلفاء، ويمكن اعتبار الحرب التي تشنها السعودية على اليمن منذ 4 سنوات، إضافة الى الدعم الهائل للتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، والتعامل بعدوانية تامة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، دلالة واضحة على هذا الاندفاع المفاجئ للرياض.
ففي عهد الملك عبد الله السابق كان صنّاع القرار في السياسة الخارجية والنخب السعودية، الجيل الثاني من آل سعود، يتوخون الحذر في علاقة بلادهم مع مختلف الدول الخارجية، وكانوا يحاولون تحقيق مصالحهم عبر إدخال القوى الغربية في أزمات وقضايا المنطقة، أما اليوم فان الجيل الجديد من النخب السياسية السعودية وهو في الأغلب الجيل الثالث من آل سعود، يؤمنون بالسياسات العدوانية، كما ويعتقدون أيضاً أنه في الماضي لم يكن هناك توازن كافٍ بين الإمكانيات السعودية (المال، واستضافة الأماكن المقدسة الإسلامية والعلاقات مع الغرب) والمشاركة النشطة في السياسة الخارجية، ويعتقد هذا الجيل أيضاً أن السياسة القديمة لم تعد تنفع وتصلح في تأمين مصالح السعودية أمام المتغيرات الكبيرة التي شهدتها المنطقة، ومن هنا تحتاج الرياض إلى استخدام جميع قواها من أجل لعب دور كبير في المنطقة، ويعتقد محللون هنا أن اعتقادات القادة السعوديين ساهمت في سحب قدم الرياض سريعاً إلى أزمات المنطقة، وعوضاً عن حلّها قامت الرياض بتفعيلها، ما خلق لها أزمات مع قوى إقليمية فاعلة في المنطقة.
عبادة شخصية محمد بن سلمان
العبادة الشخصية هي نوع من التمادي والتملّق المفرط لرأس الدولة في النظام الشمولي، ويمكن أن تنطبق على أي شخص يستفيد من قوة اللوبي الإعلامي أو يديره بنفسه، ويتم الحفاظ على عبادة الشخصية عبر مختلف وسائل الدعاية (البروباغندا)، ويتطلب ذلك استخدام وسائل الإعلام والتواصل على نطاق واسع، وفي هذا الصدد، فإن ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، قد أظهر خلال الأربع سنوات الماضية توجهاً قوياً من أجل كسب قوة العرش في المملكة، واتخذ سلسلة من التدابير المثيرة للجدل من أجل تسليط الضوء عليه وكسب الدعم الداخلي له، ونذكر من هذه التدابير: رؤيته الاقتصادية 2030، إزالة بعض القيود الاجتماعية للمرأة، محاربة الفساد واعتقال أبرز الامراء المنافسين له على العرش ووضعهم تحت الإقامة الجبرية في فندق "الريتز كالترون" وكان على رأسهم كل من الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني، وأخيه تركي، وابن عمه الأمير الوليد بن طلال الذي يعدّ واحداً من أثرياء العالم، مردها الخوف من أي ردات فعل من قِبَل هذه الشخصيات من شأنها عرقلة مشروع التوريث الذي يسعى الملك سلمان وابنه إلى فرضه كأمر واقع على الجميع تقبّله بأي حال من الأحوال، كما وأظهر ابن سلمان قدراته الواسعة في شتى المجلات وذلك من أجل التخلص من أبرز منافسيه على العرش كـ "محمد بن نايف"، كما أن ابن سلمان استطاع من خلال هذه الطريقة تجنّب الانتقادات الداخلية والخارجية، إلا أن التقارير تشير إلى أن الكثير من الأمراء السعوديين، غير مقتنعين بسياسة الأمير الشاب، إضافة إلى أزمة الخليج الفارسي بين الرياض والدوحة التي أبرزت أكثر الانتقادات الخارجية لسياسة محمد بن سلمان.
نظام سياسي مغلق
ومن العوامل الأخرى والرئيسة التي تلعب دوراً مهماً في تقلّب السياسة الخارجية للسعودية، هو نوع النظام السياسي المغلق في السعودية، ففي الأنظمة الديمقراطية، لا يمكن لفرد واحد التحكم في اتخاذ القرارات المصيرية، فهناك حكومة وهناك برلمان يلعبان دوراً كبيراً في إقرار قرار أو تعديله بشكل يخدم مصالح البلاد ويسهم في تحقيق أهدافها بأقل تكلفة ممكنة، ولا يوجد في القاموس السعودي أي مكان لهذا النوع من الأنظمة، فالدكتاتورية السعودية هي الأشد قسوةً من بين نظيراتها في العالم، والتي يغلب عليها الطابع الشمولي والسلطوي الذي يتحكم بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والدينية في البلد، كما أن قمع الحريات، وتكميم الأفواه، ودعم الإرهاب، واستغلال الدين لتثبيت الحكم، وعدم استقلال القضاء، والتسلط الشامل على كل مقومات الدولة، وفرض قدسية الأسرة الحاكمة على الشعب وادعاء القدسية لها، والسيطرة المطلقة على وسائل الإعلام وتحويلها إلى بوق للدعاية للأسرة الحاكمة، كلها عوامل أكدت بجلاء دكتاتورية نظام الحكم هناك.
ونتيجة لهذا الأمر، وبسبب عدم خبرة ابن سلمان في التعاطي مع الشؤون الداخلية والخارجية، أدت القرارات الصارمة التي اتخذها في السياسة الخارجية على الفور إلى حدوث أزمة في العلاقات الخارجية السعودية، وتأكيداً على هذا الكلام، قام ابن سلمان بدعوة سعد الحريري إلى الرياض من ثم جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية، بعد ذلك تدخلت باريس في القضية بسبب الغضب اللبناني الكبير، وكانت نتيجة ذلك أن خسرت السعودية نفوذها في لبنان وذلك عبر خسارة حليفها الرئيسي وانتصار الطرف المناهض لها هناك في الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي جرت في 7 أيار/مايو 2018 الماضي.