الوقت- بينما تتّجه الأنظار إلى حدود غزة في ظل جولات التصعيد المتتالية، وفي حين كان الجيش الإسرائيلي يجري مناورات عسكرية تحاكي هجوماً واسعاً لحزب الله، احتفل لبنان بالذكرى الثانية عشر لانتصار تموز 2006، أو ما اصطلحت عليه (إسرائيل) حرب لبنان الثانية.
المناورات العسكرية الأخيرة والموسّعة في هضبة الجولان المحتلة والتي تخلّلها مشاركة ألوية مختلفة على مدى أسبوعين، جاءت في إطار الاستعداد لما وصف بـ "التهديدات الجديدة"، متضمّنة وسائل عسكرية تكنولوجية إضافةً إلى نظيرتها التقليدية.
من مفاجآت المناورة أيضاً الدور البارز للحوامات والطائرات غير المأهولة ومنظومات الحرب الإلكترونية وأنظمة الدفاعات الجوية، حتى أن قدرات الحزب دفعت بالجيش الإسرائيلي لمنح هذه القدرات في الحرب المقبلة حتى مستوى كتيبة.
ليس بعيداً عن أجواء المناورة، بدا لافتاً كلام السيد نصرالله في الذكرى السنوية الثانية عشر للانتصار الذي أكّد فيه أن "حزب الله اليوم أقوى من الجيش الإسرائيلي"، وأن (إسرائيل) اليوم هي أعجز من أن تشنّ حرباً جديدة كالتي خاضتها في السابق.
رغم الأبعاد النفسية لكلام السيد نصرالله على القيادة العسكرية الإسرائيلية، إلا أنه واقع وحقيقة مرّة بالنسبة إليهم، فحزب الله من أكبر التهديدات للكيان الإسرائيلي وفق تقرير مركز الأمن القومي.
أسباب عدّة قد تبرّر تربّع حزب الله على رأس التهديدات والأولويات الإسرائيلية، نذكر منها:
أولاً: يجمع المراقبون على أن المعركة القادمة هي معركة المفاجآت مع هامش زمني ضيّق، وبالتالي الخشية الإسرائيلية الكبرى تتلخص أولاً في امتلاك حزب الله لأسلحة خارج الحسبان يمكن أن تغيّر مجرى الحرب كما حصل في العام 2006، إضافةً إلى ذلك فإن قدرات حزب الله العسكرية النوعية لا تزال محط أنظار القيادة العسكرية الإسرائيلية، فسنوات الحرب السورية لم تمنع الحزب من تعزيز منظومته العسكرية على جميع الصعد، ولاسيّما الصاروخية منها، رغم كل الضربات الإسرائيلية التي حصلت.
ثانياً: امتداد لسوريا التي شكرها السيد نصرالله إلى جانب إيران على دورهما الفعّال والتاريخي في نصر تموز 2006، لم يكن حساب الحقل الإسرائيلي كحساب بيدر حزب الله في سوريا، فالتهديد الذي أرادت السلطات الإسرائيلية زجّ الحزب به لاستنزافه، حوّله الحزب "الذي يقرأ جيداً"، كما قال السيد نصرالله في خطابه مع الإعلامي سامي كليب على قناة الميادين، إلى فرصة ثمينة راكم من خلالها الخبرات النوعية، هذا ما يمكن سماعه من أغلب القيادات العسكرية الإسرائيلية، ليس آخرهم قائد الأركان الذي أكّد اكتساب حزب الله خبرة قتالية لا تقدر في سوريا.
ثالثاً: تكتيكاً حزب الله بات يلعب خارج الساحة اللبنانية، حيث راكم خبرات عسكرية في حرب الشوارع والمدن ضمن مختلف الظروف الجويّة والنفسية، رسّخ تجارب كبيرة في عمليات الدعم وتأمين الموارد البشرية على جبهات واسعة ما مكّنه من محاكاة الدخول إلى الأراضي الفلسطينية وعلى مساحات واسعة جدّاً، قبل الحرب السورية كانت عمليات حزب الله تقتصر على عدد متواضع من المقاتلين، لكن طبيعة المعركة السورية فرضت عليه عكس ذلك، وهذا ما تحتاجه جبهة الجليل وما بعدها.
رابعاً: وفي الإطار نفسه، يقول جيفري وايت، من المحللين العسكريين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تحليل حول دخول حزب الله إلى سوريا "أن حزب الله منظمة تتعلم وتدرس تصرفات أعدائها وتحقق النتائج في عملياته القتالية، ويضيف وايت في دراسة نشرت بموقع "مركز المكافحة ضد الإرهاب" الإلكترونية، إن وجود قوات حزب الله في سوريا جعل بإمكان الحركة تعلم بعض الدروس، منها: "1- الاطلاع على دور وحدة المدفعية في العمليات القتالية والدفاعية، 2- ضرورة القيام بالعمليات القتالية المستمرة على الساحات الوسيعة وهذا يجب أن يشتمل على التخطيط، القيادة، المراقبة، الدعم ونقل القوات، 3- التعقيدات والتحديات في مجال التعاون مع الأطراف المنظمة وغير المنظمة. 4 – الخسائر الكبيرة على مستوى القوة البشرية والذخائر، 5 – إدارة العمليات القتالية على مستوى السرايا والكتائب، 6 – التخطيط وإدارة العمليات المعقدة.
خامساً: المعركة القادمة هي معركة عقول بامتياز حيث يولي الطرفان أهمية كبيرة للعامل التكنولوجي العسكري، وقد اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت اأثناء تفقده جاهزية الوحدات المشاركة في المناورات الأخيرة بتنامي قدرات "حزب الله" السيبرانية بصورة ملحوظة.
سادساً: تشير طفرة المناورات العسكرية الإسرائيلية إلى طفرة التهديدات، المناورة الأخيرة ليست بجديدة على الكيان الإسرائيلي وإن تضمّنت محاكاة لحملات تهديد أكبر، ولكن في العام الماضي، على سبيل المثال لا الحصر أجرى الجيش الإسرائيلي مناورات في الشمال، هي الأضخم منذ 20 عاماً، بمشاركة عشرات الآلاف من قوات الجيش وجنود الاحتياط من القوات البرية والجوية والبحرية، الملفت ارتفاع مستوى المناورات "الدفاعيّة" ترسيخاً لعقيدة إيزنكوت التي كشف عنها فور وصوله إلى قيادة الأركان الإسرائيلية من جهة، وإذعاناً للواقع الميداني الذي يشير إلى قدرات حزب الله على الدخول إلى الجليل من جهة أخرى.
يدرك الإسرائيلي جيداً حجم تهديدات حزب الله، ولعلّ تلويحه منذ العام 2007 حتى يومنا هذا بالخروج إلى الحرب خير دليل على ذلك، هي حرب محتومة، ولكن الجميع ينتظر نقطة صفرها، ويبقى السؤال الأبرز هل تحاكي حقّاً المناورات الإسرائيلية ما ظهر من قدرات حزب الله؟ وماذا عمّا خفي منها؟.