الوقت- أفادت الأنباء من ولاية كاليفورنيا الأربعاء الماضي ( 8 أغسطس 2018) باندلاع موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية ضد جريمة قتل الشاب الأسود "ستيفن كلارك" البالغ من العمر 22 عاماً عندما تعرّض لإطلاق 8 طلقات نارية في فناء بيت جدته، على أيدي قوات شرطة مدينة سكرامنتو" خلال شهر مارس الماضي.
وقام المحتجون بعرقلة مراسم زواج أحد الضابطين المتورطين في قتل الشاب كلارك، وفي الأثناء صرخ أحدهم بوجه الضابط قائلاً: "قل لي هل خططت لزواجك قبل أن تقتل ستيفن كلارك أو بعده؟".
كما يظهر تسجيل مصوّر مشاهد مروعة حول جريمة قتل الشاب الأمريكي الأعزل صاحب البشرة السوداء عندما أطلق الضابطان وابلاً من الأعيرة النارية عليه في سكرامنتو عاصمة ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ما تسبب في اندلاع الاحتجاجات الواسعة والتي عرقلت المرور بالمدينة لساعات.
عنف الشرطة أحد أهم المعضلات المجتمعية في أمريكا
الشرطة الأمريكية التي من شأنها أن تضطلع بمسؤولية الحفاظ على أمن المواطنين، تحوّلت إلى معضلة اجتماعية إثر العنف المتكرر الذي تمارسه بحق المدنيين وخاصة السود منهم، وتؤكد الشواهد والتقارير الإعلامية ذات الصلة أنه لا يوجد مجتمع مثل المجتمع الأمريكي يعاني من ظاهرة العنف على أيدي قوات الشرطة كما هو الحال بالنسبة للشرطة الأمريكية.
إن الصلاحيات الواسعة المتاحة للشرطة في أمريكا والدعم اللا محدود الذي تتلقاه من جانب المؤسسات الرقابية المعنية في هذا البلد زادت من حدّة العنف الممارس على أيدي الضباط الأمريكيين، وبالتالي اتساع نطاق هذه المعضلة التي تستحوذ على المجتمع الأمريكي إلى أقصى حدّ ممكن.
يرى الخبراء أن الدستور الأمريكي الذي سمح للمواطنين الأمريكيين بحمل السلاح يحمّل مسؤولية كبرى في اتساع نطاق الخوف لدى قوات الشرطة ما جعلها متأهبة لاستخدام السلاح وفتح النار على المدنيين في هذا البلد؛ وهو ما يظهر عادة في تبريرات الشرطة مقابل أي جريمة قتل تمارسها بحق المواطنين، قولها إنها تصورت "بأن الضحية كانت على وشك استخدام السلاح ضدها".
وفي معرض التعرف على أسباب تزايد العنف داخل أمريكا تجدر الإشارة أيضاً إلى الصلاحيات الكبيرة جداً التي تمنح إلى محاكم المقاطعات الفيدرالية والتي تتجاوز في بعض الأحيان نطاق صلاحيات المحكمة العليا بوصفها أعلى جهة قضائية في أمريكا.
وفي هذا السياق أيضاً، يمكن الإشارة إلى مخالفة قضاة المحاكم الاتحادية مع سياسات ترامب المتطرفة بشأن الحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى هذا البلد، بما فيها قانون فصل الأطفال المهاجرين عن أمهاتهم.
لكن الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها محاكم المقاطعة لا تصب بالضرورة في مصلحة الشعب، والشاهد على تاريخ القضاء الأمريكي الحافل بالقرارات الصادرة عن المحكمة العليا أو محاكم صغيرة في أمريكا أو تفسيرات اعتمدتها هذه الجهات القضائية خلال التحقيق في الملفات الموكلة إليها، بما يشير إلى عدم التزامها بالدستور أو معارضته تماماً.
وعلى سبيل المثال يمكن الإشارة إلى الملفات القضائية التي أقرّت المحكمة الاتحادية بشأنها استخدام العنف من قبل الشرطة الأمريكية بحق المدنيين في هذا البلد.
وفي ضوء ما تقدّم يظهر أن ظاهرة عنف الشرطة الأمريكية بحق المواطنين ليس بالأمر الجديد، لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً لدى المراقبين من خارج أمريكا هو أنه "لماذا يلجأ ضباط الشرطة الأمريكيين إلى قتل المدنيين بكل سهولة، وفي معظم الأحيان لا يواجهوا أي عقوبة مقابل هذه الجرائم؟؛ وفي مقام الرد على هذا السؤال تجدر الإشارة بصورة عابرة إلى أحد الملفات ذات الصلة، على الشكل التالي:
يعود الحادث المضحك - المبكي في الوقت نفسه، إلى العام الماضي، حيث اقتحم عدد من ضباط شرطة ساوث هاوس في ولاية "ميسي سي بي" الأمريكية منزلاً بحجة التحقيق في حادث "عنف أسري" وقاموا في بادئ الأمر بإطلاق الرصاص على الكلاب الموجودة هناك، وذلك بحسب التقارير المتوافرة في هذا الخصوص، ومن ثم فتحت النار على صاحب المنزل "اسماعيل لويز" من خلف الباب وأردته قتيلاً ليظهر عقب انتهاء الحادث أن الشرطة أخطأت في العنوان.
وتؤكد التقارير ذات الصلة بهذا الحادث أيضاً أن جميع الجهود في سياق توثيق الجريمة أو توجيه الاتهامات إلى الضباط المتورطين باءت بالفشل على غرار الأحداث المماثلة التي سبقتها.
وتشكّل هذه الجريمة واحدة من عشرات الجرائم التي تمارسها الشرطة الأمريكية بدم بارد دون أن تواجه أي مساءلة قانونية من شأنها أن تضع حدّاً لهذه المعضلة التي تميّز المجتمع الأمريكي عن باقي المجتمعات في أنحاء العالم.
دور البشرة السوداء وغيرها من العناصر المؤثرة في عنف الشرطة الأمريكية
هناك أسباب أخرى، يمكن ربطها بظاهرة عنف الشرطة في أمريكا، ومنها التأييد الذي تتمتع به قوات الشرطة لدى المواطنين البيض وأيضا لجان التحكيم، وذلك مقارنة بانتقادات ومعارضة المواطنين من أصحاب البشرة السوداء على إجراءات ضباط الشرطة والتمييز الذي يمارسونه بحقهم.
وفي سياق متصل أظهرت نتيجة استطلاع للرأي خلال العام 2016، أن نسبة الاحترام الذي يكنّه المواطنون البيض إلى قوات الشرطة تختلف بشكل ملحوظ عن ذات الشعور لدى الموطنين السود (75 مقابل 35 بالمئة).
والجدير بالاهتمام في هذا الأمر هو تركيز لجان التحكيم في المحاكم الأمريكية بما فيها المحكمة العليا والمحاكم الاتحادية على آراء ورغبات المواطنين البيض، بما يضمن انحياز هذه الجهات القضائية تماماً إلى ضباط الشرطة في مقام إصدارها للأحكام الخاصة بقتل المدنيين وبالتحديد من أصحاب البشرة السوداء في أمريكا.
ورغم كل الأسباب المشار إليها فيما يخص عنف الشرطة الأمريكية بحق المدنيين، إلا أن المراقبين يركزون على التضارب الملحوظ في الدستور الأمريكي ولا سيما الملحقين 2 و4 الذي وضع المواطنين في حرج، فمن جانب يصرّح الملحق الثاني للدستور الأمريكي بحمل السلاح للمواطن ومن جانب آخر يمنح الشرطة الأمريكية صلاحيات واسعة في استخدام السلاح وإطلاق النار في أي لحظة تشعر خلالها بالخطر من جانب المواطنين.
وفي سياق متصل تؤكد التقارير أن الشرطة الأمريكية قتلت خلال العام 2017 ما يقرب عن 1147 مدنياًّ في أمريكا (أي بما يعادل 3 أشخاص يومياً)، فيما بلغ عدد ضحايا عنف الشرطة خلال العام 2018، حتى الان، 646 شخصاً.