الوقت- بشعرها الذهبي وابتسامتها الناعمة التي تخفي خلفها حزناً عميقاً وروحاً مقاومة ألهمت جيلاً كاملاً من الشباب الفلسطيني، أطلّت الأيقونة الفلسطينية عهد التميمي "17 عاماً" صباح اليوم خارجة من خلف قضبان الأسر بعد 8 أشهر من الاعتقال في سجون الاحتلال، بتهمة إعاقة عمل ومهاجمة جنود الاحتلال الإسرائيلي، لتعود اليوم إلى أرض أجدادها في قرية النبي صالح غرب رام الله في الضفة الغربية، وسط فرحة عارمة لكل المقاومين الأحرار في جميع أرجاء العالم الذين ينتظرون على أحر من الجمر مؤتمرها الصحفي الذي سيعقد اليوم في قريتها.
كلمات سيخلدها التاريخ
على الرغم من أن أطفال فلسطين ورجالها ونسائها برمتهم يتبنون فكر المقاومة واستعادة الكرامة إلا أن "عهد التميمي" جسدتها بأبهى حللها منذ نعومة أظافرها، هذه الفتاة المراهقة بالرغم من صغر سنّها لديها تاريخ حافل في مقارعة العدوان الإسرائيلي وجنوده، فعندما كانت في السابعة من عمرها قالت لأحد جنود الاحتلال: "بخافش من سلاحك، وإذا أخذتوا شجرة زيتون منزرع 100 زيها"، ومنذ ذلك الحين بدأت تراقبها عدسات المصورين ويُكتب عنها في الصحافة العربية والعالمية، فقد كانت عهد تقول وتفعل فكم من مرةٍ حاولت تخليص امرأةٍ أو صبيّ من بين أيدي قوات الاحتلال؟ "سأبقى أشارك في التظاهرات، ولن أخشى الموت، فطريق تحرير فلسطين بحاجة إلى الدم، ويمكن أن أكون إحدى الشهيدات".
وفي 19 ديسمبر 2017 اعتقلت التميمي بعد انتشار مقطع فيديو تظهر فيه مع ابنة عمها نور التميمي تقتربان من جنديين إسرائيليين يستندان إلى جدار في باحة ببلدة النبي صالح الفلسطينية (التي تحتلها إسرائيل منذ أكثر من 50 عاماً)، وتطلب الفتاتان من الجنديين مغادرة المكان وتقومان بركلهما وصفعهما.
وأصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية في سجن "عوفر" (بالقرب من مدينة رام الله)، في 21 مارس الماضي حكماً بالسجن الفعلي 8 أشهر بحق عهد التميمي بتهمة إعاقة عمل ومهاجمة الجنود الإسرائيليين.
وتم استجواب عهد التميمي عدة مرات خلال فترة اعتقالها وتعرضت لأبشع أنواع الضغط النفسي لثنيها عن فكرها المقاوم ومنع ظاهرتها من الانتشار لكون الاحتلال يرى فيها تهديداً، وقد اعترف بذلك كبار قادة الاحتلال، وقال اورين هازان النائب عن حزب الليكود (يمين) الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو "لا يمكنكم أن تأخذوا إرهابية صغيرة وتجعلوا منها بطلة لكن هذا ما فعلناه"، وأضاف "إنها خطيرة جداً" معتبراً أن لكمة أو ركلة قد تتحوّل يوماً إلى هجوم بالسكين، وتابع "يقول معظم الإسرائيليين أنهم يرغبون في أن تقبع في السجن 20 عاماً".
وفي إحدى المحاكمات تظهر الفتاة عهد التميمي مكبّلةَ اليدين والقدمين، وهي دون السنِّ القانوني، "يا عهد راضية على الحكم؟"، سألتها إحدى الصحافيات في المحكمة لتجيب "احنا مش راضيين على إشي، ولا وجود الاحتلال على أرضنا".
وتمكّن فيما بعد محامو الدفاع عن الفتاة الفلسطينية التوصل إلى صفقة مع النيابة العسكرية الإسرائيلية، تقضي بموجبها التميمي 8 أشهر في السجن، مقابل إسقاط تهم التحريض والدعوة لتنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية من لائحة الاتهام الأصلية، والاكتفاء باعتراف التميمي بإعاقة عمل جندي إسرائيلي ومهاجمته.
عائلة تتنفس المقاومة
نشأت عهد التميمي في أسرة مقاومة زرعت فيها حب الوطن والاستبسال في سبيله، فوالدتها السيدة ناريمان التميمي تم اعتقالها في نفس الفترة مع ابنتها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حصل ذلك بعد زيارة لابنتها عهد في السجن، لنشرها فيديو الصفعة الذي تم تداوله عالمياً، علّق وزير التربية والتعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت على الفيديو آنذاك "عليها أن تقضي حياتها في السجن".
أما والدها السيد بسام التميمي فقد زرع في ابنته عهد حب الأرض، وقوة الدفاع عنها مهما بلغ الثمن، وبعد انتشار خبر الإفراج عنها اليوم خاطب بسام التميمي وسائل الإعلام اليوم عبر حسابه على فيسبوك مشيراً إلى أهمية التغطية الإعلامية، مؤكداً أن عهد، ووالدتها ستتحدثان بموجزٍ قصير لوسائل الإعلام غداً في السابعة صباحاً خارج حاجز جبارة في طولكرم، يليه مؤتمر صحافي في النبي صالح تمام الرابعة عصراً.
يقول والد عهد التميمي: "عهد ليست ملكَ نفسها بل ملكُ فلسطين وصاحبةُ القرار، ولن نضغط عليها ولن نمنعها من الاستمرار كمناضلة في وجه الاحتلال"، لافتاً إلى أنها رمزٌ لفخرِ أسرتِها والشعبِ الفلسطيني.
ومن المقرر أن تتوجه عهد ووالدتها ومن معهم إلى رام الله لوضع إكليل على قبر الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم ستغادر إلى قرية النبي صالح حيث سيقام حفل استقبال ثم تعقد عهد مؤتمراً صحفياً في المساء.
وتزين جدار الفصل في بيت لحم جنوبي الضفة الغربية بلوحة جدارية عملاقة للأسيرة الفلسطينية في السجون الإسرائيلية عهد التميمي، بينها صورة أبدع في تجسيدها فنانان إيطاليان يرفضان التحدث لوسائل الإعلام، ويواصلان العمل مقنعين لإخفاء هويتهما، ويبلغ ارتفاع اللوحة التي رسمت قرب بيت لحم في الضفة الغربية أربعة أمتار.
وقالت يارا هواري الناشطة الفلسطينية القريبة من أسرة التميمي: "كان هناك صورة رمزية لفتاة تواجه جندياً إسرائيلياً مدججاً بالسلاح أمام منزلها، ومجرد إصدار هذه العقوبة القاسية عليها لفت الانتباه".