الوقت- في مثل هذه الأيام من العام 2006 طالت صواريخ حزب الله مدينة حيفا، وما بعد حيفا، وبعدها بأيام من العام ذاته رسم السيد نصر الله معادلة ردعٍ جديدة تمثلت بـ (ما بعد بعد حيفاً)، لُيعلنها لاحقاً وبكل صراحة (تل أبيب عاصمة الكيان الإسرائيلي)، وبعد عقدٍ ونيّف من معادلة (تل أبيب مقابل بيروت) يبرز السؤال الأهم الذي شغل مراكز الأبحاث التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي "أين أصبحت قدرات حزب الله الصاروخيّة؟"، بعد هذه الأعوام، خصوصاً وأنه اكتسب خبرةً عملية كبيرة طوال السنوات السبع السابقة في مواجهة الإرهاب في سوريا.
اليوم يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي تلافي خطر ترسانة الصواريخ أو ما باتت تعرف به في أوساط الباحثين اليهود "ترسانة الرعب" لحزب الله، محاولات جيش الاحتلال تلك تمحورت حول وسائل عدّة من قبيل "مناورات التحوّل" وبناء منظومات صاروخيّة في محاولة منها للوقوف بوجه الصواريخ القادمة من لبنان كمنظومة القبة الحديدية ومقلاع داوود التي أثبتت بالأمس فشلها الذريع بالتصدي للصواريخ السورية.
فشل المنظومات الإسرائيلية تلك أتى على لسان كتّاب ومحللي جيش الاحتلال وعبر وسائل الإعلام إسرائيلية عينها، حيث أكدت تلك الوسائل فشل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، مشيرةً إلى أنّ "ثمن الصاروخ الواحد المعترض في منظومة - مقلاع داوود - يبلغ مليون دولار، وما حدث أن أحد الصواريخ دُمّر عبر التفجير الذاتي فوق الجولان، بينما لا أحد حتى في سلاح الجو يعرف ما حدث مع الصاروخ الثاني لكن في كل الأحوال هو لم يصب الهدف".
وللإجابة عن سؤال قوّة حزب الله الصاروخية يمكن الاسترشاد بما يقوله إعلام الاحتلال ومحللوه الاستراتيجيون، حيث يؤكد المُحلّل دافيد ماكوفسكي في مقالة له نُشرت على موقع معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى أنّ المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنّ حزب الله يملك ما يزيد عن مئة ألف صاروخ، وقال إنّ الترسانة الصاروخية هذه قد تكون السبب الذي جعل صنّاع القرار في تل أبيب من المُستويين السياسيّ والأمنيّ، يمتنعون عن ضرب لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والاكتفاء باستهداف مواكب الأسلحة التابعة لحزب الله في سوريّة فقط، بحسب قوله.
ومع إعلان حكومة الاحتلال استكمال بناء المنظومة الصاروخية في العام الماضي تنفّس الساسة الإسرائيليون الصعداء جراء هذا الإعلان، خصوصاً بعد "التهويل والتطبيل" لهذا الإنجاز من قبل القيادة العسكريّة في الكيان، وبعض القادة السياسيين لكن المستوطنين وهم المعني الأكبر بهذه المنظمة نظروا إليها بعين الشكّ والريبة وذلك لسببين، الأول هو أنّ هذه المنظومة وحتى اليوم لم تُختبر أيّ اختبارٍ جدّي، أما السبب الثاني فيرتبط بعامل الثقة المفقود بين المستوطنين وقياداتهم السياسية والعسكرية التي تعمد إلى تطمين مواطنيها عبر إطلاق الوعود البعيدة عن الواقع.
ويتزايد القلق الإسرائيلي من تطور قدرات حزب الله الصاروخية في ظل تقدير مراقبين إسرائيليين لامتلاك الحزب تكنولوجيات تمكّنه من إصابة أي هدف إسرائيلي بدقة متناهية، وبالإضافة إلى ذلك يمتلك حزب الله نظاماً شاملاً متكاملاً يتضمّن الصواريخ ومصانع الوقود ومرافق التخزين ومنصات الإطلاق.
أما التحدي الجديد لجيش الاحتلال الإسرائيلي فيكمن في القوّة الصاروخية البحرية لحزب الله، خصوصاً وأنّ حكومة الاحتلال بدأت بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر، الأمر الذي سيُعرّض آلات التنقيب خاصتها لخطر الإصابة والإغراق في حال نشوب أيّ حربٍ مستقبلية، وعلى الرغم من إدراكه المسبق لفشلها، وأنها لن تُشكّل حلّاً جذرياً في مواجهة قوة حزب الله الصاروخية، غير أنّ سلاح البحرية في حكومة الاحتلال عمد إلى نصب منظومة القبة الحديدية على سفينة "ساعر 5" وذلك لحماية منصات الغاز التي تقوم بالتنقيشب في عرض البحر، غير أنّ هذه المنظومة وخصوصاً في أيّ مواجهة بحرية ستقف عاجزةً عن التصدي لهجمات حزب الله الذي بات يمتلك مجموعة كبيرة من الغطاسين الانتحاريين، بالإضافة لقدرته على استخدام الزوارق المتفجرة، واستخدام الغواصات صغيرة الحجم ومنظومات زرع الألغام ذاتية التفجير.
إذاً وبناءً على ما سبق يتوضح أنّ الكيان الإسرائيلي لمس ومنذ حرب تموز 2006 خطورة قدرات حزب الله الصاروخية ومدى فعاليتها، كما وأدرك ضرورة العمل على بناء منظومة دفاع جوّي هدفها الرئيسي الوقوف بوجه صواريخ الحزب ليتباهى بعد سنوات بتدشين مراحل بناء المنظومة الدفاعية متعدّدة الأسطح، غير أنّ كل تلك المنظومات لن تحميه أو تحمي مستوطنيه في حال نشوب حرب بين حزب الله و"إسرائيل".