الوقت- تعتبر زيارة مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية "علي أكبر ولايتي" إلى روسيا الأسبوع الماضي من أهم الزيارات التي يقوم بها مسؤول إيراني إلى موسكو في الآونة الأخيرة خاصة أنها أتت قبل أيام من قمة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، وعلى عكس ما تشتهيه عقوبات ترامب الاقتصادية على إيران جاء لقاء ولايتي وبوتين ليضع النقاط على الحروف ويضع حدّاً للجهود الأمريكية ضد طهران من نافذتَي الاقتصاد والعقوبات، بصفقة إيرانية - روسية تجعل مهمة الرئيس الأمريكي يوم غدٍ أكثر تعقيداً حيث يهدف الأخير إلى ضم الكرملين الروسي إلى المعسكر المناهض لإيران، وذلك بعد نجاحه في الضغط على الدول الأوروبية وأعضاء الناتو يوم 11 و12 يوليو ودفعهم إلى اتهام إيران بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
وترتكز خطة ترامب على فرض ضغوط شاملة على إيران من أجل إجبارها على قبول النقاط الـ 12 التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" من أجل الدخول في مفاوضات جديدة، وفي هذا السياق يعتقد العديد من الخبراء والمحللين في الشؤون الدولية أن خطة ترامب ناتجة عن عدم معرفته بالوضع السياسي داخل إيران، ويعتقدون أنها أشبه بفلم هوليودي خيالي بعيد عن الواقع السياسي، وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار الإنجازات التي انبثقت عن لقاء "علي أكبر ولايتي" مع "فلاديمير بوتين" عشية قمة ترامب وبوتين في 16 يوليو 2018 في هلسنكي - فنلندا، على أنها فشل كبير لترامب قبل بدء المحادثات، كما وأظهر هذا اللقاء أيضاً أن علاقات طهران مع موسكو أقوى من أي وقت مضى وأن تصورات ترامب عن هذه العلاقات خاطئة.
فشل ترامب في الضغط على إيران
هي ساعتان استطاع فيها ولايتي كسر مشروع ترامب الهادف إلى خنق طهران عن المجتمع الدولي، وهذا ظهر جلياً في الكلام الذي قاله بعد لقائه ببوتين خاصة حينما قال: "ينظر السيد علي الخامنئي إلى العلاقات الإيرانية -الروسية على أنها علاقة استراتيجية في مختلف المجالات، وستحافظ الجمهورية الإسلامية على هذه العلاقات"، في المقابل ينظر بوتين أيضاً إلى أن هذه العلاقات استراتيجية وهي تخدم مصالح بلاده، ومن نتائج اللقاء، أفاد مستشار المرشد الأعلى الإيراني "علي أكبر ولايتي" بأن موسكو أكدت استعدادها لاستثمار ما يصل إلى 50 مليار دولار في قطاع النفط والغاز بإيران، وقال ولايتي للتلفزيون الإيراني: "إن الرئيس بوتين أكد أن بلاده مستعدة للاستثمار في قطاع النفط والغاز الإيراني بما يصل إلى 50 مليار دولار"، ووصف ولايتي هذه الاستثمارات بـ "الضخمة" معتبراً أنها من الممكن أن تحلّ محلّ استثمارات الشركات الأوروبية التي أعلنت خروجها من إيران خوفاً من العقوبات الأمريكية، ونقل التلفزيون الإيراني عن ولايتي قوله إن ميزان التبادل التجاري بين البلدين شهد نمواً بنسبه 36 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2018، وفي مجال النفط والغاز قال ولايتي إن إحدى شركات النفط الكبرى في روسيا قد وقّعت عقداً بقيمة 4 مليارات دولار مع وزارة النفط الإيرانية، والتي ستصبح جاهزة للعمل قريباً كذلك بدأت شركتا النفط الروسيتان الرئيسيتان، روسنفت وجازبروم أويل، محادثات معنا ويمكنهما توقيع عقود تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار.
وفي جانب آخر من حديثه نفى ولايتي أية محادثات مع أمريكا خاصة في ظل إصرار ترامب على الشروط التي وضعها من أجل الدخول في مفاوضات جديدة، قائلاً: لا ترغب إيران في التفاوض مع الحكومة الأمريكية، أمريكا لا يمكن الاعتماد عليها فلماذا نتفاوض معها مرة أخرى؟، فأمريكا ترغب اليوم في خفض بيع النفط الإيراني في السوق العالمية وبسبب هذه الأحلام رفعت أسعار النفط ما أثّر على البلدان المستوردة له، وحول موضوع تهديدات ترامب لمنع تصدير النفط الإيراني من الخليج الفارسي، قال ولايتي: "الكلام واضح وهو ما قاله روحاني إذا لم نستطع أن نصدّر لن يصدّر أحد".
وحول الموضوع السوري والعراقي، والوجود الإيراني هناك، قال ولايتي: "إن وجود بلاده في سوريا والعراق استشاري وبدعوة رسمية من الحكومات الشرعية لتلك الدول التي تتشكر إيران على مساعدتها وإذا أرادت هذه الدول خروج إيران منها فإنها ستخرج فوراً"، وأضاف: "في حال خروج إيران وروسيا الآن من سوريا سيعود الإرهاب المدعوم من أمريكا وبعض الدول الغربية للسيطرة عليها"، ومن هنا، تظهر مجموعة التصريحات التي أدلى بها الممثل الخاص لإيران إلى روسيا أن هناك اتفاقاً وتوافقاً كاملاً بين موسكو وطهران على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية ما يعكس بوضوح فشل ترامب في خطته لممارسة الضغط على إيران.
أسباب عدم انضمام الروس إلى معسكر ترامب
ويرى محللون مختصون في الشأن الروسي أن الروس لن يكونوا أبداً ضمن المحور الذي يحاول ترامب إنشاءه ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك لأسباب عديدة منها:
أولاً-إن استراتيجية روسيا في السياسة الخارجية قائمة على مواجهة النفوذ المتنامي لأمريكا في المناطق التي تسيطر عليها.
ثانياً-موسكو تعلم جيداً أن الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط قد أصبح مهمّاً خاصة بعد لعبه دوراً في القضاء على الإرهاب، وهو ما يتماشى أيضاً مع أهدافها ومصالحها في الحدّ من الوجود الغربي في هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية.
ثالثاً- نتيجة لتعاون إيران الأخير مع روسيا في الأزمة السورية، هناك الآن نوع من المواءمة بين مصالح روسيا ومحور المقاومة، وفي الواقع يمكن اعتبار فشل محور المقاومة بمثابة هزيمة للروس، والعكس صحيح إذ إن انتصار محور المقاومة يعني انتصاراً للروس.
لذلك، في مثل هذه الحالة إن المنطق الفكري والسياسي يقول إن الروس سيتخذون مواقف مختلفة مع أمريكا فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، ويبدو أن المفاوضات بين ترامب وبوتين في هلسنكي فيما يتعلق بإيران لن تسفر عن أي نتيجة محددة.