الوقت- يتعاطى الكيان الإسرائيلي مع غزة على أنها تحصيل حاصل لمخططاته العدوانية، ويعتقد الصهاينة أن الظروف مناسبة جداً لهم في هذه المرحلة في ظل التعاطف الدولي غير المسبوق معهم، فضلاً عن فتح جسور تواصل مع بعض القادة العرب، ومن هنا اكتسبت "إسرائيل" ثقة مفرطة جعلتها تتهوّر وتشنّ غارات جوية خلال الأسبوعين الماضي والحالي على غزة.
القصف الإسرائيلي لم يلقَ صمتاً من المقاومة الغزاوية وكان مفاجئاً للصهاينة أن حماس قامت بردة فعل سريعة عند إطلاق صواريخ على غزة وقابلتها برشقات صاروخية وقذائف تجاه مستوطنات غلاف غزة، وقد دوت صافرات الإنذار للمرة الأولى في مستوطنة كريات جات التي تبعد 30 كلم.
تغيير قواعد الاشتباك
لم يتمكن العدو الصهيوني مع تغيير قواعد الاشتباك لمصلحته، علماً أنه كان على يقين بأنها ستكون كذلك، خاصةً أن أمريكا وجولة كوشنر المكوكية ونقل السفارة وغيرها من المعطيات أوحت للإسرائيلي بأن المعركة تصبّ في مصلحته، وهذا هو الوقت المناسب لتغيير قواعد الاشتباك على المقاس الإسرائيلي، ولكن المقاومة في غزة مزقت أحلام الصهاينة وحرمتهم من تغييرها لمصلحتهم، ليخرج المقاومون من قلب حاضنتهم الشعبية ويحطّموا غرور العدوان الإسرائيلي على مدى أسبوع كامل، ويمكننا تلخيص رسالة حماس للصهاينة بالتالي: "إذا قصفتم قصفنا وإن عدتم عدنا".
وكان لافتاً خلال الأسبوع الفائت ردة الفعل السريعة والجاهزية العالية التي أبدتها فصائل المقاومة في غزة، حيث لم تنتظر الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة إنهاء طائرات الاحتلال غاراتها على قطاع غزة يوم أمس، حتى بادرت بإطلاق رشقات صاروخية وقذائف تجاه مستوطنات غلاف غزة، وتمكّنت القبة الحديدية من إسقاط صاروخين من 3 حسب الإعلام الإسرائيلي.
ومن يتابع الصحف العبرية خلال هذا الأسبوع يلاحظ حالة الانكسار والتخبط التي سادت الصحافة العبرية، بعد قصف المقاومة مستوطنات غلاف غزة، حيث علّق الصحفي "الإسرائيلي" يوسي يهوشع بأن حماس تمكنت من تغيير قواعد اللعبة مع الجيش وباتت لا تخشى أن تدكنا بنيران الصواريخ، مبيناً فشل جيشه في الفترة الأخيرة بجعل المتسللين الذين توغلوا عبر السياج الفاصل يدفعون الثمن.
الصهاينة والقيادات الفلسطينية
لا يخفى على أحد أسلوب الجيش الإسرائيلي القديم الجديد تجاه فصائل المقاومة الفلسطينية، فالإسرائيليون ليس لديهم حلّ لحركة المقاومة سوى استهداف الرموز الفلسطينية والقيادات العسكرية بهدف شلّ حركة المقاومة وإرباكها وإفراغها من العقول لتقليل خطرها على الداخل الإسرائيلي، ولكن هل نجحوا بذلك حقاً أم عليهم تغيير الخطة؟!.
لم تستطع طائرات العدوان الإسرائيلي خلال الفترة الماضية الوصول إلى رموز المقاومة وقياداتها العسكرية وإلا لكانت استهدفتهم، وما سلسلة الغارات التي شنتها أمس على مواقع المقاومة الفلسطينية وسيارات المدنيين، إلا دليل عن ضعف أمني وعجز في بنية هذا النظام الأمني، وقد شاهدنا ذلك في الضفة الغربية أيضاً التي قد تعود إليها "الذئاب المنفردة" في أي لحظة.
وتمكّنت المقاومة الفلسطينية من خرق العمق الإسرائيلي مراراً وتكراراً خلال الفترة الماضية، ولم تنجح "إسرائيل" في إيجاد آلية ردع مناسبة لأساليب الفلسطينيين المركّبة في الاختراق، وهذا أظهر ضعفاً في الجبهة الداخلية الإسرائيلية وأفضى إلى نتيجة مفادها أن جبهات "إسرائيل" غير مؤهلة للقيام بحرب رابعة على غزة، لأن الرد سيكون موجعاً هذه المرة.
وفي هذا الإطار قال أبو يوسف أحد قادة المقاومة الفلسطينية في غزة خلال حديثه لـ "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، إن اختراق الشباب الفلسطيني الثائر غير الحامل للسلاح "مدني" لكل هذه المنظومات ووصول بعضه للداخل الصهيوني يؤكد بأن جيش الاحتلال عاجز فعلاً عن تأمين جبهاته.
ولعل أكثر ما أغاظ الصهاينة خلال الأشهر الماضية هو موضوع "الطائرات الورقية" التي كانت بمثابة سكين في خصر الصهاينة بالرغم من بساطة آلية عملها وسعرها الذي لا يتجاوز 3 دولارات، ومع ذلك فقد حققت خسائر تجاوزت حرب 2014، بحسب اعترافات مسؤولين إسرائيليين.
وكتب الصحفي الإسرائيلي يوسي يهوشاع عن ذلك قائلاً: (القصة بسيطة للغاية: القوات الإسرائيلية غيّرت المعادلة بعد ظاهرة الطائرات الورقية، فهي تدفع ثمن مهاجمة أهداف حماس، حماس لا تقبل ذلك: "أنت تطلق النار، وأنا أطلق النار"، مضيفاً "المسألة من الذي سيتراجع أولاً").
كيف ستبدأ الحرب في حال حدوثها؟!
قد ترتكب "إسرائيل" حماقة ما وتغتال أحد القيادات الفلسطينية وعندها لن تقف حماس مكتوفة الأيدي وستردّ بشكل فوري وقد يؤدي ذلك على مقتل عدد من الصهاينة وعندها سيخرج الوضع عن السيطرة ولن تتمكن "إسرائيل" حينها من ضبط النفس وبالتالي ستكون النتائج موجعة على الداخل الإسرائيلي أكثر من غزة بأضعاف مضاعفة، فالمقاومة اليوم فرضت معادلة القصف بالقصف ولن تسمح للعدو بفرض معادلاته العدوانية على الشعب الفلسطيني ومقاومته وستتحمل قيادة العدو المسؤولية الكاملة عن أي عدوان وستدفع ثمن عنجهيتها باهظاً.
وقد تمتص "إسرائيل" الوضع الراهن لتجنيب نفسها الدخول في حرب لا ناقة فيها ولا جمل، خاصةً أن المناخ السياسي يخدمها لذلك قد تبعثر أي حرب قادمة أورقها جميعاً وتعيدها إلى نقطة الصفر.