الوقت- "الإرهاب يدقّ على حدودنا"، عبارة إستخدمها رئيس حكومة الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتعليق على الأحداث الأمنية التي تجري في مصر وخاصةً على الحدود. وكأنّ الكيان الإسرائيلي يستهزئ بعقول العرب والمسلمين ويحاول أن يُمحي من ذاكرتهم أنّه صانع الإرهاب والقتل والدموية مع معلمه الأكبر أمريكا. وكأنه نسي أنه كان ومازال صانع الحركات التكفيرية والمموّل والداعم للمجموعات الإرهابية هو وحلفاؤه في المنطقة منذ بداية الأحداث في سوريا. فما هو المخطط الجديد في مصر وعلى الحدود المصرية الإسرائيلية؟ وما هي الأهداف الإسرائيلية من تضخيم خطر المجموعات الإرهابية على "حدوده" في منطقة سيناء؟ وما هو السيناريو المحتمل بعد الأحداث الأخيرة وإعلان الجيش الإسرائيلي عن رفع حالة التأهب على الحدود مع مصر؟ وكيف يمكن ترجمة النفاق الإسرائيلي حول زعمه تهديد تنظيم داعش لكيانه؟
فقد أعربت الأوساط السياسية والأمنية في الکيان الإسرائيلي عن قلقها ممَّا يحدث في مصر عموماً وفي سيناء على وجه الخصوص. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن رفع حالة التأهب على الحدود مع مصر، مطالباً سكَّان المناطق الحدودية بالابتعاد عن الحدود وزيادة اليقظة، فيما أغلق المعبرين الرئيسيين في شمال سيناء: كرم أبو سالم ونيتسانا.
وعلَّق رئيس حكومة الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على العمليات ضدّ الجيش المصري في سيناء، بالقول إنَّ "الإرهاب يدقّ على حدودنا وداعش ليس فقط قبالة هضبة الجولان، وإنَّما أيضاً في مصر وقرب رفح، أي أنه على طول حدودنا". وأضاف، في إشارة للمعارك الجارية بين مسلحي داعش وجنود الجيش المصري، "أننا شركاء مع مصر ومع دول كثيرة أخرى في الشرق الأوسط وفي العالم في النضال ضدّ الإرهاب الإسلامي المتطرِّف. نحن نحاربهم، ونعرف أنهم أيضاً يضربون داخل حدودنا، لكننا نعرف أيضاً أننا أحبطنا أكثر من 200 محاولة لتنفيذ عمليات منذ مطلع العام الماضي، ونحن سنصل أيضاً إلى هؤلاء القتلة. وسنكبِّد الإرهابيين ومرسليهم وأنصارهم ثمناً باهظاً".
وبحسب
موقع "والا" الإخباري، فإنَّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرس الواقع
أساساً عبر الاستخبارات وبيانات وإعلام داعش وحتى اليوم، وأقرب عملية نفذها
التنظيم تبعد حوالي 30 كيلومتراً عن الحدود مع الکيان الإسرائيلي. وتجدر
الإشارة إلى أنَّ موضوع داعش في سيناء كان من بين المواضيع التي أثيرت في
اللقاء الذي جرى مؤخراً بين المدراء العامين لوزارة الخارجية الإسرائيلية
والمصرية، دوري غولد وأسامة المجذوب. واعتُبر اللقاء وتعيين سفير مصري جديد
في الکيان الإسرائيلي، بمثابة تعبير عن دفء العلاقة بين الجانبين في هذه
الظروف التي تشهد تحديات مختلفة. وأشارت صحف إسرائيلية إلى أنه تم الاتفاق،
خلال اللقاء، على تعميق العلاقات الأمنية بين الدولتين وعلى تعزيز
العلاقات السياسية بينهما.
وقد أدى هذا الجدل المتعلق بالحدود المصرية-الإسرائيلية إلى طرح العديد من
التساؤلات حول "المخاوف" التي يتحدث عنها القادة الإسرائيليون في هذه
المرحلة بالرغم من رجوع الأحداث الأمنية على الحدود بين مصر والكيان
الإسرائيلي إلى ما قبل عامين، ولكن هل هي محاولات لإستغلال ورقة الجماعات
الإرهابیة في منطقة سیناء للحضور في هذه المنطقة أو اتخاذ أي خطوة محتملة
في المستقبل؟ فبعد الأحداث الأخيرة وخاصةً ما نشره مصدر في الجيش
الإسرائيلي عن إطلاق صاروخ، قال مصدر إسرائيلي "إن متشددين في سيناء أطلقوه
على جنوب إسرائيل، دون سقوط ضحايا، في حادث مرتبط فيما يبدو بالقتال بين
قوات الأمن المصرية ومتشددين إسلاميين"، وإتخذ الجانب الإسرائيلي إجراءات
ورفع حالة التأهب على الحدود. وفي الأسابيع الماضية "أطلق متشددون
فلسطينيون صواريخ على إسرائيل من قطاع غزة" بحسب المصدر الإسرائيلي، رغم أن
الحدود تشهد هدوءاً كبيراً منذ الحرب الماضية بين الكيان الإسرائيلي وحماس
التي تسيطر على القطاع.
واتهم الكيان الإسرائيلي حماس بمساعدة تنظيم داعش في سيناء. ونفت حماس ذلك، وقال الناطق باسم كتائب القسام أبوعبيدة إن لا وجود لأي علاقة لكتائب القسام بما يجري في قطاع غزة، متهماً الکيان الإسرائيلي بمحاولة زرع الفتنة بين قطاع غزة ومصر، وذلك في الوقت الذي أكد فيه نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية أن العلاقات مع مصر شهدت تحسنًا ملحوظًا مؤخرًا. وقال أبوعبيدة إن هذه المحاولة ستفشل دائماً كما فشلت من قبل.
ورداً على الهجمات في سيناء كان رئيس وزراء الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال: "إننا نتقدم بتعازينا لمصر التي تحارب الإرهاب الدّاعشي، الذي يشكل عدواً مشتركا لنا وللعالم. ونحن نتابع عن كثب التطورات الجارية هناك". وأضاف نتنياهو: "إننا ندرك أهمية السياج الأمني الذي أقمناه على حدود سيناء والذي يصدّ أو يعرقل توغلات داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى بشكل كبير. ولهذا أقمنا سياجاً مشابهاً على الحدود في الجولان لصد داعش وغيره وقد شرعنا في إقامة جدار أمني على حدودنا الشّرقية أيضاً".
وبين سطور ما قاله نتنياهو ترتسم معالم القلق الاستراتيجي الإسرائيلي من "داعش" والتنظيمات المتطرفة الأخرى على المدى المتوسط والبعيد، فأكثر ما يخشاه الکيان الإسرائيلي أن لا تبقى أجندة "داعش" مقتصرة على التمدد والسيطرة في سوريا والعراق وسيناء، بل أن تمتد إلى جبهات أخرى من بينها الأردن حيث أطول حدود برية للكيان الإسرائيلي مع دولة أخرى، الأمر الذي قد يضطره إلى التدخل العسكري المباشر. فهل هو قلق أو نفاق وتكتيك ضمن مخطط مرسوم؟
يرى متابعون عن قرب للأوضاع الأمنية على الحدود والمسار الطويل للأحداث أنّ منعطفاً جديداً تُعدّ له العدة وسيناريو جديداً تُكتب صفحاته. والكيان الإسرائيلي في ظل التحولات المتسارعة في المنطقة ووقوفه ودعمه للمجموعات الإرهابية وقيادته حرباً عن بعد لإضعاف قوى المنطقة هو المحرك والمخطط لكل المسارات الأساسية لهذه المجموعات التي تقاتل بدلاً عنه. فاختيار مصر وسيناء يأتي ضمن المخطط الجديد للحضور الإسرائيلي الجديد في تلك المنطقة.
ويقول البعض إنّ هدف التنظيمات الإرهابية واحد وهو تحقيق "حلم اسرائيل الكبرى"، الذي نادى به المؤسس الأول للصهيونية ثيودور هرتزل عام 1904، بعدما عجز الكيان الإسرائيلي عن تحقيقه طوال السنوات الماضية بقواه الذاتية. فالتناغم والتعاون بين تلك التنظيمات والكيان الإسرائيلي واضح وجلي في المنطقة، وفي تموضعها جغرافياً ما بين النيل والفرات الحيز الجغرافي للحلم الاسرائيلي، وفي سعيها لتفتيت المنطقة لانشاء دويلات ممزقة تخدم المشروع الصهيوني، وفي عدم اطلاقها رصاصة واحدة على الكيان الإسرائيلي.