الوقت- علاقة جدلية تزداد جدليتها عاماً بعد عام مع تفاقم الأزمات المعيشية والإنسانية وانتقال ميزان القوة بين الأطراف المتصارعة في اليمن، على هذا الأساس تُبنى العلاقة بين القاعدة والقبائل اليمنية، ومع ذلك لا يمكننا حصر هذه العلاقة بجملة واحدة، لذلك يبقى هناك سؤال جوهري يطرح نفسه منذ عقود: ما هو واقع العلاقة بين القبائل اليمنية وتنظيم القاعدة؟!.
البعض يشير إلى دعم متقابل، في حين يرى آخرون أن هناك عداءً استراتيجياً بين الطرفين، بينما يشير الطرف الثالث إلى وجود علاقة ملتبسة.
العلاقات مع القبائل تحتاج إلى الكثير من الحنكة، هذا ما نجح فيه الرئيس السابق علي عبد الله صالح لإدراكه صعوبة تخطّيها، ولكن هذا ما لم تفعله القاعدة في مرحلة من المراحل الأمر الذي أفضى إلى علاقة متأزمة.
تاريخ العلاقة مع تنظيم القاعدة
جميع اليمنيين يعلمون بأن القبائل هي المكوّن الرئيسي للمجتمع اليمني والقاعدة في اليمن هي الأقوى والأخطر في العالم وفق التقارير الأمريكية.
أما إذا أردنا العودة إلى البدايات الأولى لظهور تنظيم القاعدة في اليمن فيمكننا إرجاع ذلك إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي الذي شهد عودة أعداد كبيرة للمقاتلين من أفغانستان، والذين استخدمهم حينها "علي عبدالله صالح" في مواجهة خصومه بجنوب اليمن أثناء الحرب الأهلية في عقد التسعينيات.
في الواقع العلاقة بين الطرفين الأقوياء في الجنوب اليمني حذرة جدّاً، حيث إن تمكّن أي طرف من ابتلاع الآخر لا يتوانى عن ذلك، ولكن بسبب قوة الطرفين وتقاطع المصالح استمرت العلاقة في مراحل طويلة بنوع من التوافق والتناغم والتنسيق.
منظمو القاعدة وجدوا في الطبيعة القبلية أرضاً خصبة للحركة "الجهاديّة" بسبب التشابه في النظم التقليدية وكذلك الطبيعة العسكريّة والولاء، لذلك كان التنظيم يتعاطى مع القبائل كفرصة محتملة لتأسيس موطئ قدم له.
وفي عام 2009، حثّ "أيمن الظواهري"، الذي كان الرجل الثاني حينها في تنظيم "القاعدة"، قبائل اليمن للاقتداء بالقبائل الأفغانية والباكستانية والتمرد على النظام الحاكم، وتوجه إليهم بالقول "أخاطب القبائل اليمنية النبيلة والشجاعة، وأقول لها لا تكونوا أقل من إخوانكم في قبائل البشتون والبلوش الشجاعة الذين أعانوا الله ورسوله، ودوّخوا أمريكا والصليبيين في أفغانستان وباكستان".
وشهدت العلاقة بين الطرفين مع نهاية العقد الأول من القرن الجديد نوعاً من التذبذب والمدّ والجذر والذي كان طبيعياً نظراً لعدم تطابق جميع المصالح في جميع الملفات، وفي نفس الوقت القبائل تعتبر قوية وتملك سلطة لا تقل عن سلطة الدولة لذلك لم تكن تريد أن تعطي مكانها للقاعدة لكي تتحكم بها، وبنفس الوقت لا تتجه نحو الاقتتال معها، وقد تحدث عن قوة القبائل اليمنية أحد الدبلوماسيين الغربيين في صنعاء معتبراً أن هناك "سلطتين متوازيتين" في اليمن، وأوضح "أن السلطة القبلية، وهي الأقدم، تتمتع بنفوذ أكبر وهي في بعض المناطق حاضرة أكثر بكثير من الدولة ولها قدرات عملانية أكبر بكثير من قدرات الدولة".
صحيح أن العلاقة مع شيوخ القبائل لم تكن ترتقي لمستوى السيطرة عليهم وإدغامهم في مشروع القاعدة إلا أنهم بالمقابل لم يتحولوا إلى "حربة الدولة" في وجه القاعدة، إلا أن الأخيرة استطاعت أن تخترق صفوف شبان القبائل وجذبهم للقتال معها، ويعود هذا إلى عدة أسباب، منها: الجهل والفقر والسلاح وتاريخ الاقتتال بين القبائل، بالإضافة إلى أن الكثير من هؤلاء الشباب يعتبر "الحروب" مصدراً لرزقهم لذلك لن يتوانوا عن المشاركة في قتال أي طرف طمعاً في المال ولدوافع شخصية بحتة.
ومع ذلك ورغم استقطاب الشباب لم تشعر القاعدة بالأمان نظراً لحجم الغضب الدولي عليها ومواجهتها بكل السبل الممكنة، وبما أن هناك "طرف خيط" في العلاقة مع القبائل من خلال بعض العادات والتقاليد، عمد التنظيم إلى تمتين هذا الخيط من خلال عقد علاقات مصاهرة ونحو ذلك، سعياً للبقاء والتوسع وكسب النفوذ والانخراط في المجتمع اليمني بحيث يصعب اقتلاع القاعدة منه.
العلاقة الآن
مع بداية العدوان السعودي على اليمن في أيلول/سبتمبر 2014، اعتبر البعض أن العلاقة المذهبية بين القبائل والتنظيم ستصهرهم في بوتقة واحدة من منطلق أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يحارب إلى جانب القبائل السنّية ضد أنصار الله اليزيديين الشيعة، لكن هذا جزء صغير جداً من الحقيقة، حيث لا يمكن تبسيط العلاقة بهذا الشكل الطائفي، لأن القبائل ساهمت خلال الحرب اليمنية في تعطيل قدرة التنظيم على التوسّع وكسب النفوذ.
القبائل في اليمن تريد الحفاظ على مكانتها ولا تريد الانجرار ولا بأي شكل لمواجهة مباشرة مع أنصار الله، وقد برز هذا الأمر جلياً في مطلع العام 2015، عندما أعدم عناصر من التنظيم، مقاتلين من أنصار الله وقعوا في الأسر، ما أثار غضب القبائل وتسبّب باندلاع اشتباكات بين القبائل والقاعدة، ويُعتبر قتل الأسرى انتهاكاً جسيماً بموجب العرف القبلي.
في الختام؛ المصالح بين القبائل اليمنية وتنظيم القاعدة متفاوتة جداً، وكل المحاولات الرامية من قبل التنظيم لجرّ القبائل إلى حرب استنزاف مع أنصار الله أو الدولة باءت بالفشل لأن الجميع يعلم بأن القبائل لا تريد أن تخسر مكانتها وسطوتها ونفوذها هناك.