الوقت- بعد التطورات المتسارعة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ولاسيّما الهجوم (الأمريكي - البريطاني - الفرنسي) على سوريا قبل أيام، طفى على السطح تساؤل جوهري: هل يتمكن الكيان الصهيوني من جرّ أمريكا لحرب جديدة في المنطقة؟ باعتبار أن هذا الكيان سيكون المستفيد الأول من هذه الحرب التي ستشغل المنطقة والعالم برمته عن جرائمه ضد الفلسطينيين في حال وقوعها.
قبل الانتقال إلى الإجابة عن هذا التساؤل لا بدّ من الإشارة إلى أن أمريكا وحلفاءها هاجموا سوريا بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الأخيرة على الجماعات الإرهابية في مناطق حساسة ومهمة من البلاد ومن بينها الغوطة الشرقية، وقبل ذلك قام الكيان الصهيوني بشنّ هجوم على قاعدة "تي فور" الجوية داخل الأراضي السورية.
هذه التطورات وغيرها جعلت بعض المراقبين يعتقد بإمكانية حصول حرب جديدة في المنطقة بين أمريكا وحلفائها من جهة، وسوريا وحلفائها من جهة أخرى.
فما هي الأسباب التي دعت إلى تبني مثل هذا الاعتقاد، وهل بالإمكان حصول الحرب في ظل الظروف المعقدة التي تشهدها المنطقة؟
الإجابة عن التساؤل الأول تكمن بما يلي:
- رغبة الكيان الصهيوني في إشعال الحرب لتحقيق عدّة أهداف في مقدمتها تهيئة الأرضية للجماعات الإرهابية لمواصلة جرائمها في سوريا ودول أخرى في المنطقة.
- رغبة كيان الاحتلال في تقسيم سوريا من أجل إضعافها باعتبارها تشكّل رأس حربة في محور المقاومة.
- إشغال قوى المقاومة المدعومة من قبل إيران في الدفاع عن سوريا كما حصل في السنوات السابقة، أي بعد اندلاع الأزمة في هذا البلد مطلع عام 2011.
- تهيئة الأرضية لإتمام نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
- تشديد الحصار والضغط على الفلسطينيين خصوصاً في قطاع غزة الذي يعيش انتفاضة عارمة ضد الكيان الصهيوني منذ عدّة أسابيع.
أما الإجابة عن التساؤل الثاني فيمكن تلخيصها بما يلي:
- من المستبعد اندلاع حرب واسعة في المنطقة لخشية أمريكا وحلفائها من تداعياتها السلبية على مصالحهم ولاسيّما بعد التجارب المُرّة التي تجرعتها واشنطن نتيجة هزيمة الإرهابيين المدعومين من قبلها في العراق وسوريا بفضل التحالف القوي بين إيران وروسيا ومحور المقاومة.
- خشية "إسرائيل" من ردّ فعل حزب الله الذي توعّد كيان الاحتلال بضربات ماحقة في حال تعرضت سوريا أو لبنان لأي عدوان من قبل هذا الكيان أو أحد حلفائه.
- وجود قوى المقاومة وبقوّة في العديد من دول المنطقة ولاسيّما في العراق وسوريا، وهذا من شأنه أن يمنع أمريكا وحلفاءها من التفكير جديّاً بشنّ حرب جديدة واسعة النطاق ضد سوريا أو أي بلد آخر في المنطقة.
- فشل أمريكا وحلفائها في قطع الارتباط بين إيران وقوى المقاومة من ناحية، وبين قوى المقاومة نفسها من ناحية أخرى، وهذا يعزز من إمكانية التعاون والتنسيق التام بين هذه الأطراف لصدّ أي هجوم واسع من قبل واشنطن وحلفائها ضد سوريا أو أي بلد آخر في المنطقة، خصوصاً في ظل التجارب الكبيرة التي اكتسبها محور المقاومة خلال تصديه للإرهابيين وداعميهم الدوليين والإقليميين خصوصاً في العراق وسوريا طوال السنوات الماضية.
- بعد أن كانت دمشق تكتفي بإعلانها الاحتفاظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية، شهدت الأشهر الماضية تزايداً في الرد على غارات الطائرات الإسرائيلية عبر الدفاعات الجوية، واعترف محللون عسكريون إسرائيليون بأن هذه الدفاعات باتت تهدد الطائرات الإسرائيلية، وربطوا ذلك بتعزيز محور المقاومة لوجوده على الحدود مع الجولان المحتل.
- تحدث الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قبل فترة عن إمكانية إخراج قوات بلاده من سوريا إلّا أن السعودية أعلنت استعدادها لتحمل نفقات بقاء هذه القوات، ما يعني أن واشنطن باتت غير مستعدة لمواصلة وجودها العسكري غير الشرعي وغير القانوني في سوريا لمدة أطول خوفاً من ضربات المقاومة، وبالتالي فإنّ احتمال شنّ حرب أمريكية واسعة ضد سوريا يبقى ضئيلاً خصوصاً وأنها محفوفة بالمخاطر على كل الأصعدة.
خلاصة القول؛ تشير المعطيات المتوفرة إلى أن احتمال اندلاع حرب جديدة تقودها أمريكا في المنطقة يبقى ضئيلاً لأنها لا تخدم مصالحها من جهة، ولما تسببه هذه الحرب في حال اندلاعها من انعكاسات كارثية لا يمكن السيطرة عليها والتي لن تنجو منها أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما الإقليميين والدوليين لأن محور المقاومة والدول الداعمة له خصوصاً إيران لن يقفوا مكتوفي الأيدي؛ بل سيلحقون هزائم منكرة بالمحور الذي تتزعمه واشنطن، لكن هذا لا يعني أن محاولات "إسرائيل" لإدخال المنطقة في حرب جديدة سوف تتوقف طالما بقي الرئيس الأمريكي "ترامب" يمارس ذات الدور التصعيدي ضد سوريا بين الحين والآخر، وهنا تكمن الخطورة، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي التعاون والتنسيق لوضع حدّ لهذا التصعيد الذي سيلحق أضراراً كبيرة بالجميع في حال استمراره.