الوقت- أنهت قمة "الظهران" في السعودية أعمالها دون أي نتاج فعلي يضاف للمشهد العربي الذي يتربع على صفيح ساخن من الصراعات والاضطرابات الداخلية والخارجية، وغلبت على القمة طقوس المحاباة والنفاق السياسي وازدواجية المواقف والقرارات، تأتي قمة الظهران في السعودية بعد رحلة مكوكية لولي العهد السعودي شملت واشنطن ولندن وباريس وعواصم غربية أخرى، قدّم خلالها مليارات الدولارات ضريبة عرش السلطة، وقدم تنازلات عدة في المبادئ والمواقف التي تمسّ العروبة والقومية والدين، قمة حملت اسم "القدس" رغم مجاهرة الأنظمة المؤتمرة بالتطبيع مع إسرائيل، ورغبتها ونيتها في تمرير "صفقة القرن" التي تمنح أم المدائن للكيان الصهيوني.
على أطلال العروبة
عقدت القمة العربية في مكان آخر غير العاصمة الرياض، ووحدها الصواريخ الباليستية اليمنية من حددت مكان انعقادها، يأتي ذلك بعد ساعات من عدوان ثلاثي على بلد عربي سلبت منه عضويته في عروبة غير جامعة، ومجازر يومية يرتكبها البلد المضيف للعام الرابع على التوالي في بلد الإيمان والحكمة، فضلاً عن الحصار المطبق، وتضييق الخناق على سبل العيش في هذا البلد الصامد والثابت، قمة جمعت سلاطين المال وأمراء النفط، لتمنح القدس مبلغاً زهيداً لا يساوي ذرة مما حصدته صفقة سلاح لقتل الجيران، وفرض الوصاية على جيران الجيران.
أنظمة الديكورات
كشفت الرياض التي ترأست القمة في دورتها الـ 29، حقيقة ما تريده من اليمنيين، فحرمت "رئيس الشرعية" المزعومة التي تقاتل من أجل استعادتها من إلقاء أي كلمة في القمة، لتؤكد أنها تريد يمناً بهذه الصورة والكيفية، يمن بلا كرامة وبلا سيادة، وتجاهر بذلك أمام جهة تعتبرها الممثل الشرعي للشعب اليمني، وتدّعي أنها تحارب هذا البلد من أجل عودة شرعيته، لقد حضر ممثلهم اليمني إلى قمتهم واليمن من أبرز القضايا التي يناقشونها، فيتركونه صامتاً غير معنيٍّ بما يجري، نائماً تارة، وبين النوم واليقظة تارة أخرى، لا يتحدث بكلمة، ولا يعبر بشيء فيما يمنح ملك البحرين حق الحديث عن الوضع في المنطقة واليمن على وجه التحديد، يعبّر غيره عن رؤية الحل في اليمن سياسياً وإنسانياً، وهو صامت لا يعنيه الأمر، وما يجب عليه فقط هو الجلوس على كرسي متحرك واسع، يقف أمامه علم الجمهورية اليمنية.
موظف صغير
لا يختلف اثنان على أن دول العدوان على اليمن قد اجتمعت في قمم مختلفة، رباعية وخماسية، وشاركت في نقاشات دولية، وحوارات متنوعة، وغيّبت صوت اليمن في تلك المحطات، لتتحدث بالنيابة عنه وفقاً لمصالحها وأهدافها، أما "شماعة الشرعية" التي يقاتلون من أجلها، ويدمرون اليمن طولاً وعرضاً، ويحاصرون أكثر من 25 مليون مواطن يمني، مخلفين كل هذا الدمار الهائل، كل ذلك من أجل الحفاظ على كرسي الجمهورية اليمنية، ليجلس عليه شخص ـ أيّاً كان هذا الشخص ـ يحمل صفة اليمن، وينفذ حرفياً ما يطلب منه كموظف صغير، ويكتفي بالبقاء كتلة لحمية أمام شاشات التلفاز مشاركاً في القمة.
ناطق أنصار الله يعلّق
لا نجد مطلقاً أي مبرر تحت طائلة الخوف والحذر يمنع منصور هادي من الحديث في تلك القمة، فهو لو تكلم - والحديث لناطق أنصار الله محمد عبد السلام - لكان أكثر إخلاصاً منهم لقضاياهم، وأكثر بشاعة في كيل الاتهامات وتسويق الأكاذيب، ولكان ملكياً أكثر من الملك، ولشتم إيران وحزب الله والحشد الشعبي والشيعة والحوثيين والإمامة والرجعية وبقايا النظام والميليشيات، ولشكر سلمان طولاً وعرضاً على وقفته الجادة لإنقاذ اليمن من الوضع المتردي، خصوصاً هيئة الملك سلمان للإغاثة، التي لولاها لمات الشعب اليمني جوعاً، ويضيف عبد السلام: ولن ينسى ولي عهده الأمين وأمير منطقة الرياض، وكذلك بقية دول التحالف، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة، ولسرد قائمة من باقات الشكر حتى لا يأخذ أحد منهم عليه فيعاقبه قبل أن يقوم من مقامه، فهم يعلمون كيف يتعاملون مع من وضع نفسه مكان الخيانة والارتزاق".
زلّات تخفي الحقيقة
في ردّ لوزير خارجية السعودية، حاول الجبير تبرير نقل القمة من الرياض لأسباب تتعلق بمناورة عسكرية قريبة من الظهران تستدعي حضور الزعماء العرب المشاركين في القمة، لكنه في سياق الحديث والتبرير اعترف صراحة بوصول الصواريخ اليمنية إلى الرياض وإمكانية وصولها إلى الظهران، حيث قال: إن نقل القمة العربية من الرياض لم يكن لدواعي أمنية خوفاً من الصواريخ اليمنية، فهي قد تصل للظهران، وإنما جاء النقل بسبب قرب الظهران من مكان المناورة العسكرية، لقد كان الجبير صادقاً في هفوته، فمبالغته في التبرير والتأكيد على سبب آخر لنقل القمة، جعله يتفوّه بحقيقة تخفيها مكنوناته، تماماً كالسيسي الذي قادته المبالغة في الإشفاق على أولياء نعمته من الصواريخ اليمنية، إلى الاعتراف بيمنية مطلقي تلك الصواريخ، مفنّداً شماعات طهران والضاحية الجنوبية التي تتخندق الرياض وراءهما، بقوله "صواريخ تطلقها عناصر يمنية" ولم يتحدث عن عناصر إيرانية أو لبنانية، حتى وإن كانت صواريخ بلاستيكية كما وصفتها هفوته التي لم تحدد بعد ما إذا كانت الصواريخ من البلاستيك الخام، أم من البلاستيك المعاد تدويره.!