الوقت- بعد سنوات قليلة على موجة ما بات يُعرف بالـ "الربيع العربي" التي عصفت بعدد من البلدان العربية والتي بدأت في عام 2011، أرخى هذا الربيع بظلاله الثقيلة على المنطقة، ومن الواضح أنّ لغز التوازن في الشرق الأوسط لا يزال من دون حل على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي هذا الوضع الحرج الذي تمر به المنطقة؛ حاولت القوى الإقليمية وبعض القوى العظمى لعب دور مركزي في المعادلات الميدانية، حيث كانت الولايات المتحدة واحدة من الدول التي دخلت في صراع دولي على تزعّم المنطقة، وحاولت إدارة العمليات السياسية والميدانية، لكن ومع مرور الوقت؛ تبيّن أنّ واشنطن تعيش حالة من الارتباك السياسي في أدائها في منطقة غرب آسيا، ويمكن أن نرى هذا الأمر في التصريحات المتناقضة لدونالد ترامب، بالإضافة إلى التناقضات في تصريحات السياسيين الأمريكيين فيما يخصّ السياسة الخارجية لواشنطن، الأمر الذي يطرح عدّة أسئلة عن سبب هذا التناقض والاضطراب بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الإجابة عن هذا السؤال يمكن الحديث عن أربعة محاور رئيسية:
1- افتقار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخبرة السياسية بالإضافة إلى شخصيته المهتزة وغير المتوازنة
أحد الأسباب الرئيسية لعدم استقرار السياسة الخارجية الأمريكية في الوضع الجديد في منطقة غرب آسيا هو الشخصية المهتزة للرئيس الأمريكي ترامب، وبالإضافة إلى ما سبق فإنّ فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية أتى دون أيِّ خبرةٍ سياسية بالإضافة لعدم وجوده في أي موقع سياسي أمريكي أو حتى حزبي، أكثر من ذلك؛ فإنّ ترامب وخلال وجوده في البيت الأبيض أظهر أنه غير متوازن عقلياً.
وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن ترامب وفي عملية اتخاذ القرار والإدارة لا يمتلك أيّ إيمان بالفريق، أو أي اعتماد على مستشاريه في البيت الأبيض، الأمر الذي نتج عنه قرارات غير علمية وتصريحات متضاربة، ما أدّى في النهاية إلى ظهور سياسة خارجية أمريكية غير متزنة.
2- المقاومة الإقليمية وزيادة وعي الأمم
عامل آخر ساهم في عزل وهزيمة واشنطن وفشلها في الشرق الأوسط، ألا وهو دور وتأثير دول محور المقاومة على المعادلات الإقليمية في الظروف الجيوسياسية الجديدة غرب آسيا، بالإضافة إلى زيادة وعي شعوب المنطقة بالدور التخريبي والتدميري الذي تلعبه واشنطن في خلق حالة عدم الاستقرار وزيادة أمد الأزمات في المنطقة، وذلك بهدف دعم وتقوية سياساتها ومصالحها الذاتية.
وفي الواقع فإنّه وفي أعقاب صعود موجة الربيع العربي في المنطقة؛ تم الإطاحة بالأغلبية العظمى من الحكومات العربية الدكتاتورية المرتبطة بالغرب، حيث سعت الحركات الثورية الجديدة إلى إحداث تغييرات في نهج السياسة الخارجية في بلدانها، وهو ما كان سيعرّض المصالح الأمريكية في المنطقة وبدرجة كبيرة للخطر، وعلى هذا الأساس فإن واشنطن ستدعم الحكومات المرتبطة بها لقمع الحركات الشعبية في هذه الدول.
3-الوجود الميداني القوي لروسيا في غرب آسيا
يمكن اعتبار وجود روسيا القوي في معادلات غرب آسيا، وخاصة في الأزمة السورية أحد أهم العوامل التي ساهمت في هزيمة الولايات المتحدة وهزيمة سياساتها غرب آسيا، وإذا كانت أمريكا في الماضي هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة العسكرية والتي تستطيع استخدامها، فاليوم يوجد هناك قوة عسكرية ضخمة في موسكو، حيث أصبحت عقبة كبيرة أمام أمريكا لتحقيق أهدافها في المنطقة.
وجود القوات الروسية في سوريا أدى إلى أنّ أمريكا وعلى خلاف الماضي لم تستطع إدارة المعادلات بما يخدم مصالحها، وفي ظل الظروف الحالية، لا يوجد لدى الأمريكيين استراتيجية محددة المعالم ضد هذا النوع من المواجهة مع الروس غرب آسيا.
4-الضغوط الكبيرة المفروضة على الدول المرتبطة بأمريكا في المنطقة
قضية أخرى تثير ارتباك دوائر صنع القرار في واشنطن التي تُعوق تنفيذ استراتيجية أمريكا في المنطقة ألا وهي التكلفة الكبيرة التي يتوجب على الدول المتحالفة مع أمريكا دفعها.
وعلى سبيل المثال؛ قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقضية قطع عدد من الدول العربية علاقاتها مع قطر وقضية بقاء الجيش الأمريكي في سوريا، بالإضافة للسياسات السعودية تجاه اليمن، والمذابح الجماعية بحق الشعب اليمني، ومطالب بعض الدول العربية "المغرية" من أمريكا للتدخل في شؤون المنطقة، جميع ما ذكر أدّى إلى مواجهة واشنطن لعدد من الأزمات حيث إنّها لا تملك القدرة على المناورة أو التحرر من تلك المشكلات من دون دفع الفواتير السياسية والاقتصادية.
وأخيراً.. يمكن القول إنّ أمريكا تواجه في سوريا والعراق وأفغانستان واليمن ولبنان، وهي الدول التي باتت تُعتبر مسرحاً للعمليات، منافساً رئيسياً لها، ألا وهو محور المقاومة، الأمر الذي تسبب وإلى حد كبير بالشلل السياسي لأمريكا ما أدّى لتخبط أمريكا ومنعها من اعتماد استراتيجية واضحة لها في المنطقة.