الوقت- تمرّ علينا هذه الأيام الذكرى الـ 38 على استشهاد فيلسوف زمانه السيد "محمد باقر الصدر" على يد طاغوت العصر "صدام حسين" الذي نصب العداء لهذا العالم العبقري بسبب مواقفه المعادية لممارسات حزب البعث البائس وكذلك مواقفه المُشرّفة تجاه الثورة الإسلامية في جمهورية إيران وقائدها الإمام الخميني "ره" ومساهمته الفاعلة في صياغة دستور الجمهورية الإسلامية.
إن موقف الشهيد الصدر من الثورة الإسلامية يمثّل قمّة من قمم الشموخ "الرسالي" لهذا الرجل، فقد وقف إلى جانب الثورة يسددها بفكره ويدعمها بنداءاته ورسائله، بل يضحي من أجلها بدمه.
يمكن القول إن موقف السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه الداعم للثورة الإسلامية في إيران قبل وبعد انتصارها، والداعم للإمام الراحل السيد روح الله الخميني رضوان الله عليه سواء إبان وجوده في النجف الأشرف في العراق أو بعد مغادرته النجف وحتى انتصار الثورة الإسلامية، هو أحد أكبر الأسباب التي أدت إلى استشهاده في ظروف غاية في الخطورة كان الإمام الصدر يقدّرها ويعرف مؤديات تفاصيلها تماماً.
وقد تمثل موقف الشهيد الصدر الداعم للثورة الإسلامية في عدة اتجاهات تصبّ كلها في مجرى واحد هو العمل على إقامة الحكم الإسلامي حتى لو كان في إيران وليس في العراق، فلقد كانت أمنية الصدر أن تقوم دولة إسلامية عادلة بقيادة مرجعية صالحة رشيدة موضوعية، وهو ما حدث في إيران فكان الشهيد الصدر أبرز من وقف موقف الذائب في الثورة الإسلامية الإيرانية والذائب في مرجعية الإمام الخميني الراحل رحمه الله.
ويبرز موقف الشهيد الصدر من الثورة الإسلامية في إيران في اتجاهات ثلاثة:
الاول: دعمه لمرجعية الإمام الخميني
الثاني: دعمه لكفاح الشعب الإيراني المسلم
الثالث: دور فكره في الثورة الإسلامية في إيران
ولقد كان للشهيد الصدر مواقف مشرّفة في دعم مرجعية الإمام الخميني قبل انتصار الثورة الإسلامية وبعده إلى حين استشهاده رضوان الله عليه، وهو مصرّ على دعمه للإمام ولثورته ودولته الإسلامية المباركة التي كان يعدّها الشهيد الصدر هدفاً وغاية، وبعد أن تحققت لم يعد يهمه شيء ووطّن نفسه على الشهادة وهو مطمئن إلى أن الإسلام عاد إلى الحياة السياسية قوياً، وليس مهمّاً أين يكون في إيران أو في العراق أو في أي مكان إسلامي، وفي ذلك ما فيه من انتصار على الذاتية وذوبان في الهدف الكبير.
لقد كان لهذا الدعم المطلق للإمام الخميني من قبل الشهيد الصدر دور كبير في دفع الوعي الثوري لدى الملايين من المتطلعين إلى الثورة الإسلامية سواء داخل العراق أم خارجه وفي إيران تحديداً نظراً لقوة حضور السيد الشهيد بوصفه مرجعاً كبيراً ومفكراً عملاقاً وثورياً يتحدى الإرهاب السلطوي، إلى أن دفع ثمن موقفه العظيم هذا باستشهاده رضوان الله عليه وهو مقبل على الشهادة غير مدبر، خاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني وهو ما كان الشهيد الصدر يتطلع إليه.
إن جهود السيد الشهيد في مجملها كانت ترمي إلى أن ينتصر الإسلام ويقيم حكومته فالإسلام «دين الاستقلال والحرية، والصراع ضد الظلم والاستكبار، والسعي نحو العدل والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ريب في أن تنفيذ هذه البرامج يحتاج إلى حكومة إسلامية قوية".
هكذا كان تصميم السيد الشهيد على دعم ثورة الشعب الإيراني المسلم ودعم قيادته ومرجعيته الرشيدة الموضوعية، فلقد كان رضوان الله عليه مؤمناً بأن النصر لا بدّ وأن يكون حليف المجاهدين المتفانين في الذود عن وجودهم وكرامتهم وإنسانيتهم المضحين من أجل إعلاء كلمة الإسلام.
وفي الفترة التي عمل فيها أعداء الثورة الإسلامية في إيران على إثارة القلاقل والفتن وتحريض عرب إيران على التمرد والعصيان وجّه رضوان الله عليه رسالة إليهم دعاهم فيها إلى نبذ الفكر الجاهلي والقومي وطلب منهم الالتفاف حول قيادة الإمام الخميني.
لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران
إن ما سنعرضه هنا هو جزء من كُرّاس يتضمن بعض الأجوبة على الرسالة التي وجهها جماعة من العلماء المسلمين في لبنان إلى سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وضّح فيها فقهياً مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في إيران الذي طرحه أمام المجاهدين وزعيم المسلمين سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره الشريف(.
وفيما يلي نستعرض فقرتين من الأفكار الأساسية في مجال التمهيد لمشروع دستور للجمهورية الإسلامية في إيران:
1ـ إن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، بمعنى أنها هي المصدر الذي يستمد منه الدستور وتشرع على ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية وذلك على النحو التالي:
أولاً ـ إن أحكام الشريعة الثابتة بوضوح فقهي مطلق تعتبر بقدر صلتها بالحياة الاجتماعية جزءاً ثابتاً في الدستور سواء نص عليها صراحة في وثيقة الدستور أو لا.
ثانيا- إن أي موقف للشريعة يحتوي على أكثر من اجتهاد، حيث يعتبر نطاق البدائل المتعددة من الاجتهاد المشروع دستورياً، ويظل اختيار البديل المعين من هذه البدائل موكلاً إلى السلطة التشريعية التي تمارسها الأمة على ضوء المصلحة العامة.
ثالثاً ـ في حالات عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم أو إيجاب، يكون للسلطة التشريعية التي تمثل الأمة أن تسنّ من القوانين ما تراه صالحاً، على ألّا يتعارض مع الدستور.
2ـ إن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد أسندت ممارساتها إلى الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق في ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعيّنها الدستور، وهذا الحق حق استخلاف ورعاية مستمد من مصدر السلطات الحقيقي وهو الله تعالى.
وفي الخارج تهدف الدولة إلى:
أولاً ـ حمل نور الإسلام ومشعل هذه الرسالة العظيمة إلى العالم كله.
ثانياً ـ الوقوف إلى جانب الحق والعدل في القضايا الدولية، وتقديم المثل الأعلى للإسلام من خلال ذلك.
ثالثاً ـ مساعدة كل المستضعفين والمعذبين في الأرض ومقاومة الاستعمار والطغيان، وبخاصة في العالم الإسلامي الذي تعتبر إيران جزءاً لا يتجزأ منه.