الوقت- فرضُ الهيمنة؛ هو أقصى ما تسعى إليه دولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، وفي هذا السبيل اتخذت حكومة الاحتلال إجراءات عدّة بهدف تثبيت استيطانها الذي مارسته بحق الفلسطينيين بمدنهم وقراهم، حيث شهدت الفترة التي تلت حرب حزيران إقامة مئات المجتمعات الاستيطانية في المناطق التي كان يشكّ قادة إسرائيل بأنها ستسبب لهم المشكلات مستقبلاً، ولتكون هذه المستوطنات نقاط مواجهة متقدمة داخل الأراضي الفلسطينية في أيّ مواجهات قادمة.
وبناءً على الممارسات التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلية يمكن تقسيم الاستيطان إلى عدّة أنواع هي:
الاستيطان الديموغرافي:
يهدف هذا النوع من الاستيطان إلى وضع حقائق على الأرض تفرض نفسها في أي مفاوضات مع أي طرف في النزاع العربي الإسرائيلي إضافة إلى الدوافع الاقتصادية، وفي هذا السياق شهدت مدينة الخليل الواقعة في الضفة الغربية إلى الجنوب من مدينة القدس بحوالي 35 كم ومنذ العام 1967 زحف المستوطنات الإسرائيلية، لتصبح المدينة الفلسطينية الوحيدة التي يعيش المستوطنون داخلها، الأمر الذي يرفضه سكان المدينة الأصليين متهمين المستوطنين الصهاينة بتعكير الجو العام للمدينة التاريخية.
نكسة حزيران؛ كانت حجر الأساس لإقامة أول الأحياء الصهيونية في المدينة، ليشهد العام ذاته بناء أول مستوطنة حملت اسم "أبراهام افينو"، حيث يدعي اليهود أنهم أقاموا هذه المستوطنة على أنقاضِ كنيس يهودي في المدينة.
ليست المدينة وحدها من شهدت استيطاناً يهودياً؛ بل امتدت يد الاستيطان لتصل إلى الحرم الإبراهيمي، الذي شهد هو الآخر نوعاً جديداً من الاستيطان لم يشهده منذ آلاف السنين، وبقرار رسمي؛ قسّمت حكومة الاحتلال الحرم بين اليهود والمسلمين وذلك إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي الشهيرة، واليوم بات يؤم الحرم مئات السياح والزائرين من اليهود يومياً وذلك عبر مدخل خاص لهم، لكن المستفز أكثر من ذلك كما يرى الفلسطينيون أنّه وفي موعد رفع كل أذان، يفتح أفراد الشرطة اليهود الباب الفاصل بين شطري الحرم ليرافقوا المؤذن إلى غرفته التي باتت ضمن القسم المخصص لليهود!.
الاستيطان الجغرافي:
"غور الأردن جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، والمستوطنون في منطقة الأغوار يشكلون رأس حربة أمنية لإسرائيل ويعرضون أنفسهم للخطر"، بهذه الكلمات لخصت صحافة الاحتلال الوضع القائم في منطقة الأغوار، والمتابع للمشهد هناك يرى وبوضوح أنّ الاستيطان في الأغوار لم يعد استيطاناً بل أصبح احتلالاً بكلِّ ما تعنيه الكلمة من معنى؛ خصوصاً مع نيّة الكنيست الإسرائيلي المصادقة على مشروع قانون سيقدم قريباً للجنة الوزارية لشؤون التشريع من أجل فرض السيطرة الإسرائيلية على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الأغوار وشمال البحر الميت.
عضوة حزب الليكود "شارن هسكل" تقول إنّ القانون الذي قدمته هي نفسها يرجع لكون منطقة غور الأردن كنز استراتيجي لدولة الاحتلال، ويوجد حولها "إجماع وطني وسياسي" بالنسبة لليمين واليسار الإسرائيلي!.
الاستيطان الأمني:
لعلّ المثال الأبرز على هذا النوع من الاستيطان ما هو ما تشهده مدينة بيت لحم مهد النبي عيسى المسيح، من خلال تحويلها إلى مدينة محاصرة بالمستوطنات، الأمر الذي نتج عنه أن أصبحت المدينة سجناً كبيراً للفلسطينيين.
وفي هذا السياق تعمل حكومة الاحتلال على مصادرة الأراضي المحيطة بمدينة بيت لحم، مع بناء آلاف الوحدات السكنية للمستوطنين اليهود، الأمر الذي حوّل المدينة القديمة إلى ما يشبه سجناً كبيراً للفلسطينيين القاطنين هناك، وذلك كما يقول الفلسطينيون بهدف التضييق عليهم لإجبارهم على مغادرة المدينة.
أكثر من ذلك؛ عملت حكومة الاحتلال على فرض الضرائب على الكنائس المسيحية الموجودة في المدينة القديمة، كما حجزت سلطات الاحتلال الحسابات البنكية للبطريركية الأرثوذكسية بحجة الضرائب، غير أنّ بطريرك الروم الأرثدوكس أعلن متحدّياً القرار الإسرائيلي إغلاق كنيسة القيامة حتى بسبب تلك الضرائب، ولم تفتح الكنيسة أبوابها إلا بعد قرار الاحتلال بتجميد قرار فرض الضرائب.
الاستيطان التاريخي:
الاستيطان التاريخي وهو أقذر ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو الوضع القائم في مدينة القدس المحتلّة، وإن أكثر المتشائمين لم يكن ليتصور أنّ اليهود باتوا يشكلون أغلبية سكانية تُهيمن على القسم الأكبر من مساحة القدس بعدما كانوا أقلية سكانية لا تتجاوز 90 عائلة!.
تهويد القدس، هو الشعار الأبرز الذي ترفعه حكومات الاحتلال منذ سيطرتها على القدس في العام 1967، ومنذ ذلك التاريخ تعمل حكومات الاحتلال على تغيير معالم المدينة، وذلك من خلال إنهاء الوجود العربي عبر نشر الوحدات الاستيطانية ناهيك عن إصدار قانون "التنظيم والتخطيط" الذي نتج عنه عدّة أمور تتلخص بتحويل ما يزيد على 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء للفلسطينيين عليها، وهو الأمر الذي يهدف إلى إنهاء الوجود العربي والإسلامي في المدينة، ومن ثم تثبيت يهودية المدينة.
أخيراً.. وعلى الرغم من كل التصريحات الإسرائيلية بأنّ حكومتهم تسعى إلى السلام، إلا أنّ الإجراءات على الأرض تحكي قصة أخرى، فمنذ اتفاقية السلام بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل زاد عدد المستوطنين بشكلٍ مضطرد، ناهيك عن تسييس القضاء الإسرائيلي، الذي أصدر وما زال أحكاماً تقضي بتوسيع بناء المستوطنات، ورد أيّ قضيّة يرفعها الفلسطينيون ضد الإجراءات الإسرائيلية الخاصة بمصادرة الأراضي وتحويلها إلى مستوطنات.