الوقت- كيان الاحتلال، جيش بسلاح من الطراز الأوّل وإمكانات هائلة هيّأتها له الدول الداعمة. في المقابل مقاومة مسلمة أو ما بات يعرف بمحور المقاومة، بإمكانات بدأت متواضعة، وطورّها جيل وضع من الصلاة في القدس هدفاً نصب عينيه، مهدداً بذلك وجود الكيان الغاصب.
هل اقتربنا حقيقة من تحقيق الهدف الأكبر؟ وهل سيصلي جيلنا الصاعد في القدس حقاً؟
عندما يتحدث القادة في الأمة الإسلامية عن حتمية تحقيق الوعد الإلهي، ودخول المسلمين القدس عمّا قريب، ترى وسائل الإعلام العبرية ومن معها، تتعاطى مع هذا الكلام كحرب نفسية، لكن ما يجب الالتفات إليه، والذي بات يدركه قادة كيان الاحتلال، أن النهاية باتت قريبة والشواهد على ذلك كثيرة.
من عهد بن غوريون حتى اليوم...
في بداية حرب 1948، خرج اليهود بمظاهرات وصلت إلى بيت بن غوريون وطالبوه بالعودة إلى الدول التي جاؤوا منها؛ لأنهم لم يعثروا على أحلامهم في وطنهم الموعود الذي لا أمن فيه ولا أمان.
تدارك بن غوريون الموقف، وطلب مهلة لعدة أيام، تدخل فيها الراعي الأول للكيان حينها (بريطانيا) وفاوض الحكام العرب، بعد أن كان المقاومون على أبواب تل أبيب، والحارات اليهودية، وكانت المستعمرات محاصرة، ففرضت الهدنة الأولى في حزيران من العام نفسه.
بعدها اعتقد العدو أن اجتياحه للبنان عام 1982، وطرد الفدائيين، وارتكاب المجازر، سيكون بداية لمرحلة من الأمن وسلامة للجليل، لكن سرعان ما ولدت مقاومة راكمت انتصارات وفرضت انسحابه من جنوب لبنان عام 2000، ليبدأ بعدها عهد جديد، فبعد الجنوب اللبناني، اندحر العدو من قطاع غزة دون قيد أو شرط أو أي تفاوض.
ولردّ اعتباره وعلى خطا "الشرق الأوسط الجديد"، كان العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، وعلى غزة عامي 2008 و2009، جرت فيها الرياح عكس ما تشتهي سفن العدو، وكانت النتائج صادمة له ولأعوانه، فبعد أن كان جيشه يضرب ولا يُضرب، صار كل شبر من الكيان الغاصب تحت مرمى نيران المقاومة، كما شهدنا ولأول مرة هجرتين داخل الكيان: الأولى من الداخل إلى الخارج، أو ما يعرف بالهجرة العكسية، والثانية من الشمال إلى الجنوب بعشرات الآلاف بحثاً عن الأمن والأمان الذي انعدم داخل كيان الاحتلال.
وحول الجبهة الداخلية، يعيش الكيان الصهيوني في الوقت الراهن وضعاً قاتماً، في ظل تعاظم دور "محور المقاومة" اللبنانية والفلسطينية، عدة وعدداً، وخبرة عسكرية ميدانية خصوصاً بعد القضاء على المنظمات الإرهابية، كما أن القاعدة الشعبية الداعمة للمحور في ازدياد دائم. وبات وجود قوات "محور المقاومة" في الجليل المحتل، يؤرق كيان الاحتلال.
اعترافات على لسان العدو...
اللافت في هذا المجال هو الاعتراف الداخلي الصهيوني بالواقع الحالي، فمن جهته تحدث "نفتالي بينيت" وزير التربية والتعليم، خلال مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي، عن أن أي حملة عسكرية جديدة ضدّ لبنان سوف تضرّ بالجبهة الداخلية بشكل لم يره الإسرائيليون، وتشير التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن المقاومة الفلسطينية في حال اندلاع الحرب في قطاع غزّة، أو المقاومة اللبنانية في حال اندلاع الحرب في الشمال، ستُطلِق آلاف الصواريخ يومياً على "إسرائيل"، مُؤكدة أن أجهزة النظام الدفاعي مثل القبّة الحديدية وغيرها قد لا تكون كافية لتوفير حل كامل للجبهة الداخلية.
وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية قد كشفت مؤخّراً، عن تحصين 10% فقط من بين 150 من مرافق البنية التحتية المُعرّضة لمخاطر عالية في حال اندلاع حرب على الجبهتين الشمالية والجنوبية.
وفي نهاية 2016 نُشِرَ تقرير لمُراقب كيان الاحتلال عن وضع الجبهة الداخلية قيل فيه أن إسرائيل غير جاهزة كما ينبغي، لسيناريو إطلاق عشرات آلاف الصواريخ عليها، وأن أكثر من مليوني نسمة يوجدون بلا تحصين مُناسِب، على المستوى السياسي قال التقرير إن الصلاحيات لإعداد الجبهة الداخلية لم تترتّب بين الوزارات الحكومية المختلفة وإن هناك مواضيع عديدة تسقط بين الكراسي، وفجوات التحصين بقيت واسعة، ويتطلّب التغيير في هذا الموضوع استثماراً كبيراً جداً، والتقدير هو أن استكمال خطّة التحصين الكامل في الشمال تحتاج إلى ميزانية 3-6 مليارات شيقل، عملياً، خُصِّص لها للسنة الحالية 150 مليون شيقل.
الهجرة العكسية...
يتزايد القلق داخل الكيان الإسرائيلي من تزايد كبير في هجرة اليهود العكسية، من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أوروبا والدول الغربية، وبحسب مراقبين ومختصين فإن هجرة اليهود العكسية تهدد استمرار وجود الاحتلال في فلسطين، وتمثل له فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافه الاستيطانية التوسعية.
ويمكن القول إنّ الهجرة الإسرائيلية العكسية آخذة بالتحوّل إلى حالة جماهيرية جارفة متعددة المستويات، خاصة مع اختيار وجهات جديدة للتمركز، الأمر الذي يشكّل هاجساً كامناً لدى المؤسسة الإسرائيلية.
الهجرة إلى الكيان...
ونشرت صحيفة "هآرتس" منذ مدة معطيات توصلت إليها مفادها أن عدد يهود الولايات المتحدة وفرنسا الذين هاجروا إلى "اسرائيل"، قد شهد انخفاضاً كبيراً خلال الفترة الماضية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه قد وصل إلى "اسرائيل" خلال الأشهر الثلاثة الأولى للعام 2017، 309 مهاجرين من الولايات المتحدة، أي أقل بنسبة 25% من عدد المهاجرين الذين وصلوا في الفترة الموازية من العام 2016، حيث وصل عددهم إلى 413 مهاجراً. كذلك أيضاً عدد المهاجرين من فرنسا سجّل انخفاضاً حاداً خلال هذه الفترة. ويستدلّ من معطيات وزارة الهجرة و"الاستيعاب" أنه طرأ انخفاض بنسبة 29% على عدد المهاجرين من فرنسا بين كانون الثاني وآذار 2017.
وبحسب الصحيفة، فقد وصل إلى كيان الاحتلال 559 يهودياً فقط، وهو رقم يعتبر عالياً مقارنة بالهجرة من دول أخرى، لكنه أقل بكثير من المهاجرين من فرنسا بين كانون الثاني وآذار 2016، حيث وصل عدد المهاجرين آنذاك إلى 782 مهاجراً.
ختاماً، لا يختلف اثنان أن الجبهة الداخلية في الكيان الغاصب حالها كحال الجبهة الشمالية، ولا ينام مستوطن إلا وهو يفكر بصواريخ المقاومة أو سكين الشباب الفلسطيني. ومغادرة "الكيان" باتت فكرة تدور في عقولهم، بعد أن كانت غير واردة في فترات سابقة. وبناءً على كل ذلك، بات محالاً ألّا يصلي شباب اليوم في القدس غداً، بل إن الأمور تجري في مسار يتيح لكهولنا الصلاة قبل الشباب...