الوقت- فشلت واشنطن مجدّداً في الحصول على قرار أممي يدين إيران في الأزمة اليمنية. الفشل الأمريكي الجديد، والذي يرقى إلى حدّ الهزيمة وفق مراقبين، جاء عبر البوابة الروسيّة التي باتت تشكّل درعاً قوياً لعدد من الدول الإقليمية التي عزّزت من عودة موسكو إلى الشرق الأوسط مع بدء الأزمة السوريّة.
ما حصل كان متوقّعاً، وقد نجح اللاعب الروسي في تمرير مشروعه بدلاً من المشروع البريطاني المدعوم أمريكيا وفرنسياً، الأمر الذي دفع بالمندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي صاحبة مسرحية "الحذاء ذو الكعب العالي"، ومسرحية "مؤتمر الصاروخ الإيراني" إلى التهديد باللجوء إلى إجراء أحادي الجانب ضد إيران، وهو ما يعني تحركاً أمريكياً خارج مجلس الأمن.
بعيداً عن المهزلة الأممية التي من المفترض أن تكون لاستصدار قرار يفرض على السعوديّة وقف عدوانها على الشعب اليمني، يأتي المشروع البريطاني المدعوم أمريكيا رغم النفي الصادر عن الأمم المتحدة تجاه إيران، وبالتالي تبرئة طهران تقنياً من الادعاء الأمريكي الذي يدخل في خانة تصفية الحسابات السياسيّة.
لا ينفصل التحرّك الروسي الجديد عن سقوط سياسة القطب الواحد، ويحمل في طياته جملة من الرسائل والدلالات التي تتعدّى الميدانين السوري واليمني، وتصل مفاعيلها إلى تكريس نظام عالمي جديد يحدّ من الدور الأمريكي الأوروبي لمصلحة الدور الروسي الصيني الإيراني، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: بدا العجز الأمريكي واضحاً في كلام هيلي المنفعلة، ولعل تهديداتها التي اعتدنا عليها منذ اليوم الأوّل عندما توعّدت قائلة "أنتعل حذاءً بكعب عالٍ لركل منتقدي إسرائيل" مستمرة حتى انتهاء خدمتها في المقعد الأمريكي الذي فقد بريقه السابق. أسباب العجز الأمريكي متعدّدة من ضمنها سياسة ترامب المتهوّرة في أغلب الملفات الخارجيّة والتي أضعفت قدرة واشنطن الناعمة في العالم، وفق جوزيف ناي، الباحث الأمريكي البارز وأستاذ العلوم السياسيّة.
ثانياً: لا يمكن أن نردّ العجز الأمريكي إلى تطرّف ترامب ومندوبته هيلي فحسب، بل يلعب الاقتدار الروسي الذي يديره القصير بوتين بحنكة دوراً بارزاً في العودة الروسية إلى الساحة الأممية من جهة، وتعطيل المشاريع الأمريكية من جهة أخرى. بطبيعة الحال المواقف الروسية لم تكن لتحصل لولا أن ثبت لها أن هذا السلوك قد ساهم في تعزيز نفوذها الإقليمي.
ثالثاً: أثبتت روسيا من خلال وقوفها إلى جانب إيران بدءاً من الاتفاق النووي ومروراً بالأزمة السوريّة ووصولاً إلى الأزمة اليمنية أنها شريك أمين وقابل للثقة مقارنة بباقي القوى الكبرى التي تسارع إلى التراجع عن مواقفها بعد أي إشارة أمريكية، فكيف الحال بالتهديد. تسير العلاقة الروسية الإيرانية وفق مسارين متلازمين الأول يتعلّق بالفائدة المشتركة للجانبين، والثاني يتعلّق بنهج المسار الأول، أي بناء العلاقة على أساس الثقة. بعبارة أخرى، ربّما يكون هناك أهداف إنسانيّة في عدم مرافقة روسيا للغرب في الملفات التي لا تصبّ في مصلحة شعوب المنطقة، إلا أن الشقّ الأكبر يتعلّق بمصالح روسيا نفسها، فمن يتفحّص الدور الروسي الإقليمي قبل تعزيز العلاقات الاستراتيجة مع إيران، وبعدها يذعن لمستوى التغيير القائم والمنفعة الروسيّة الحاصلة من هذا التعاون والتي توازي بحجمها المنفعة الإيرانيّة.
رابعاً: لا يمكن قراءة التحالف الإيراني الروسي على شاكلة التحالفات الأخرى التي تديرها موسكو في المنطقة والعالم. فالبلدان يملكان مصالح حيوية مشتركة في بحر قزوين، فضلاً عن وجود مصالح استراتيجية تتعلّق بالعداء الإيراني للنهج الأمريكي في المنطقة والعالم، والذي يعدّ أكبر تهديد للمصالح الروسيّة. هذا العداء الذي نجح في تقويض الدور الأمريكي في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان، كان بمثابة الضالّة التي تبحث عنها روسيا والتي نفضت ما تبقى من غبار الاتحاد السوفياتي المنهار.
بالأمس وجّهت روسيا رسائل لأمريكا بالدرجة الأولى، ولفرنسا وبريطانيا بالدرجة الثانية بأنه لا يمكن مقاربة ملفات غرب آسيا دون مراعاة مصالحها.
خامساً: وكما لروسيا، لإيران أيضاً مصالح كبرى من التعاون الاستراتيجي، دون التحالف الاستراتيجي، فقد شكّلت روسيا درعاً قوياً لإيران على الساحة الدولية نظراً لامتلاكها حقّ النقض الفيتو في مجلس الأمن. الفيتو الروسي حال دون عقوبات أمريكية لغايات سياسيّة على إيران تحت غطاء أممي.
سادساً: الحديث عن تحرّك أمريكي خارج مجلس الأمن يجعله تحرّكاً ضعيفاً ومحدوداً نظراً لافتقاره إلى الشرعية الدولية المبنية على أساس شريعة الغاب، وهذا الحديث يأتي بعد فشل الإدارة الأمريكية العام الماضي في جرّ إيران إلى مجلس الأمن وتحميلها المسؤولية في الأمم المتحدة. ما حصل يعدّ دليلاً جديداً على عزلة الأمريكيين على الساحة الدولية وقوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي دفعت باللاعب الروسي إلى الوقوف بجانب اللاعب الإيراني بهذه الصلابة.
في الخلاصة، الرابحون الثلاثة هم إيران وروسيا ونيكي هيلي، إيران وروسيا لأسباب معروفة، وأما نيكي هيلي بسبب حصولها على جمهور أكبر من المتابعين بسبب تهديداتها المسرحيّة المتزايدة والتي تعيدنا إلى وزير الإعلام العراقي إبان العدوان الأمريكي محمد سعيد الصحّاف صاحب مقولة "العلوج" الشهيرة.