الوقت- لم تختر غزة نهج المقاومة لنفسها، انما هو أمر مفروض على العقل الفلسطيني وهو يرزح تحت الواقع المرير، واقع يتغير لكنه يزداد تعقيدا ومأساة من كل جوانب الحياة التي أعد لها الكيان الغاصب منذ عشرات السنين وما يزال لسكان هذه البقعة "فلسطين".
ولاشك في أن اقفال شريان استيرادهم "الانفاق" للغزاويين كارثة تزيد من أزمتهم وهي رئة غزة وسط الخناق الذي يشدد عليهم من كل حدب وصوب. لكن هذا ليس كل شيء فهناك ما يعد لهم بعناية وما يطبخ على نار هادئة بروية تامة.
الارهاب حلقة باتت تهدد واقع الفكر المقاوم بعد انتشار ظاهرة السلفية الجهادية، وبعدما كانت مقتصرة على مجموعات دعوية تحولت الى تيار متشابك في المجموعات القاعدية التي تمتلك الأموال والسلاح.!
ومع ازدياد توسع هذه المجموعات وبعد أن شكل نموها قلقا كبيرا للأمنيين في القطاع، جرت تحقيقات استخباراتية أجراها جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة، عقب قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مواقع حساسة للمقاومة الفسطينية شمال غزة وجنوب المدينة، في الثامن من آب/ أغسطس الماضي، ما أودت تحقيقاتهم الى اعتقال متعاون مع الاحتلال كلف بمراقبة أحد موقعي القصف وقبله وبعده حسب مصدر أمني مطلع في جهاز الامن الداخلي، وهو ما أكده العقيد زكي الشريف، كاشفا عن اعتقال مجموعة شكلت خلية عسكرية باسم (أحفاد الصحابة – أكناف بيت المقدس) كشفت التحقيقات عن تلقيهم دعما ماليا من جهات مخابراتية صهيونية كلفتهم باطلاق "صواريخ" تجاه كيان الاحتلال لاعطاء مبرر لرد صهيوني يستنزف قدرات المقاومة.
وأكد الشريف "لم يكتف هؤلاء بتمزيق المجتمع، عبر تكفيره واستحلال أموال الناس وأعراضهم، لكنهم يخونون وطنهم ويتعاونون مع الاحتلال ضد المقاومة".
لا يختلف اثنان في أن الكيان الصهيوني حقق فوائد جمة من فكر الغلو والتطرف في العالم العربي، واستفاد من موجات انتشارها، وكان لاعبا أساسيا على وترها بعد ان ركبها ببراعة، وبعد أن صنع أخواتها، وهذا ما يؤكده القيادي في حركة حماس بغزة الدكتور أحمد يوسف، وهو مؤلف كتاب "الحركة السلفية في قطاع غزة... الاعتدال والتطرف وسياقات التحرير" عندما حمل مخابرات الاحتلال مسؤولية استفحال ظاهرة المجموعات التكفيرية في القطاع في كلامه "رصدنا بصماتهم في تشكل هذه المجموعات غامضة الأسماء والمتورطة في العنف، بما يمزق الجبهة الداخلية ويخدم الاحتلال"
ومنذ مطلع العام الماضي، وقعت 9 عمليات اطلاق قذائف صاروخية تجاه مستوطنات غلاف غزة برؤوس خالية من المتفجرات ومحشوة بالرمل ونشارة الخشب، من صناعة هذه المجوعات وفقا لما كشفه المسؤول الأمني الفلسطيني مؤكدا " الهدف من ذلك خلق ذريعة لتمكين الاحتلال من الاستمرار في الغارات واستنزاف المقاومة، والذي يعد أحد أهدافهم المرسومة من قبل مشغليهم، فيما اغتال 3 منهم القائد في كتائب القسام مازن فقهاء، في 24 مارس/آذار من العام نفسه بأمر من الضابط المكلف بتشغيلهم في "الشاباك" وفق ما كشفه التحقيق معهم"
وكل هذا رصد من قبل جهاز الأمن الوطني برئاسة العميد نعيم غول وقائد حرس الحدود في وزارة الداخلية بقيادة غزة، عمليات المراقبة التي طالت التكفيريين بهدف منعهم من التسلل الى سيناء ومنها.
يلعب العقل الصهيوني بخيوط التكفيريين لأسباب عدة:
1- خلق ذريعة وهمية للاحتلال لقصف القطاع وتدمير البشر والحجر سواء.
2- تشويه المقاومة ورجالاتها وأحقيتهم بالدفاع عن الارض والعرض الفلسطيني دوليا وأمام منظمات حقوق الانسان وغيرها عالميا.
3- تهديم المجتمع الإنساني في فلسطين وضرب مبادئه وقيمه المبنية على أساس الجهاد الصادق، وخلق تضارب في الأفكار ما بين النسيج الاجتماعي وخلق فوضوية فكرية تشوش على نقاء مقاومتهم السليم.
4-زعزعة الامن والاستقرار في داخل البيت الفلسطيني، من خلال بعثرة أولويات أجهزتهم الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور.
ويعتقد البعض ان سوء الوضع الاقتصادي المعيشي في القطاع هو ما يسهم من تنامي هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع الغزي، لذا تعمل الاستخبارات الصهيونية على مضاعفة تشديد الخناق بهدف تمكنها من استقطاب أكبر قدر من ممكن من العقول البسيطة في الشارع الفلسطيني.
وأصبحت مخاطر التكفيريين تثير قلق الفلسطينيين بشكل كبير. وزارة الداخلية بغزة أعلنت عن 100 معتنق لفكر الجماعات المتطرفة في القطاع، وفق تحريات الأجهزة الأمنية، وعلى الرغم من العدد المحدود الا أنهم يشكلون خطرا على المجتمع والمقاومة نظرا لان بعضهم تقلبوا تنظيميا بين فصائل المقاومة واكتسبوا خبرات وعلاقات واسعة، والأخطر هو أنهم يمتلكون معلومات هائلة عن الاجنحة العسكرية المقاومةما جعلهم أكثر عرضة للتجنيد من قبل المخابرات الصهيونية التي تقف وراء دعمهم لوجستيا وفكريا وماليا وسد كل احتياجاتهم، بهدف اسقاط فلسطين ومقاومتها.
لا خيار أمام المقاومين الا مواصلة نهجهم واعتماده سبيلا نحو تحرير الكرامة قبل الأرض، وهو ما عجزت عن كسره صواريخ الاحتلال، عليهم اتخاذ مقاومة فكرية في الداخل الفلسطيني وتنقية لمجتمعهم من اختراقه والعمل على صناعة جبهة فكرية جهادية، وتشكيل منظمات مجتمع مدني تهتم بصناعة جيل صاعد يحمل فكر أجداده وما ورثوه.
فالصهاينة والإرهاب وجهان لعملة واحدة، يعملان على صناعة الموت بدل الحياة في فلسطين وفي كل بلاد العالمين العربي والإسلامي وغيرهما، ما دامت خدمة لأطماعهم.