الوقت - عندما أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن وقف المساعدات المالية الأمريكية إلى باكستان بذريعة دعم الإرهاب، كان يظن على الأرجح أن هذا سيخيف حكومة باكستان ويجعلها أكثر قبولاً للشروط الأمريكية بوقف الزحف الصيني نحو غرب آسيا، ولكن النتيجة جاءت معاكسة تماما.
ورغم النفي الصيني يبدو أن الكلام عن قاعدة بحرية صينية في منطقة "جيواني" الباكستانية بالقرب من الحدود الإيرانية ليس فقاعة إعلامية كما يتصور البعض، لأن هذه المنطقة تعتبر استراتيجية للغاية بالنسبة لطريق الحرير الصينية، فهي من ناحية تشرف على المحيط الهندي، ومن ناحية أخرى تعتبر نقطة رصد لكل البضائع المتجهة إلى آسيا، مثلها مثل "جيبوتي" المشرفة على مضيق "باب المندب" و"البحر الأحمر" حيث أنشأت الصين قاعدتها العسكرية الأولى. وإذا تأكد أن الصين ستبني فعلاً قاعدة بحرية في "جيواني"، فذلك يعني أنها ستحمي "طريق الحرير" بالقوة وليس فقط بالدبلوماسية التجارية.
ومن الواضح أن بكين تكسب الجولات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الواحدة تلو الأخرى بينما التخبط لازال هو سيد الموقف الأمريكي.
وتجدر الإشارة إلى أن اتهام ترامب ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "مايك بومبيو" لإسلام آباد بــ"الازدواجية" في مكافحة الإرهاب، وما تبع ذلك من تعليق واشنطن لملياري دولار من المساعدات العسكرية لباكستان، جعلا رئيس الوزراء الباكستاني "شهيد خاقان عباسي" يوّلي وجهه شطر الصين.
وفي مقابل الموقف الأمريكي أشادت الصين بما اعتبرته "مساهمة كبيرة لإسلام آباد في مكافحة الإرهاب"، رافضة وسم بلد بعينه بالإرهاب، في إشارة منها لباكستان.
من هنا يمكن القول بأن التوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية - الباكستانية مثّل فرصة ثمينة للصين، وجعلها تعتقد بأن الجو قد خلا لها لتنعم بما يتيحه لها وضعها بوصفها حامياً للحليف الباكستاني. كما تدرك إسلام آباد أن واشنطن إذا أدارت ظهرها لها، فإن لديها بديلاً يمكن التعويل عليه وهو الحليف الصيني.
أهداف الصين من وراء بناء قاعدة "جيواني"
- استعراض القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الصينية على طول الطرق البحرية الاستراتيجية خصوصاً المارّة عبر المحيط الهندي وجنوب شرق آسيا والتي تستخدم لنقل النفط والموارد الأخرى لتحديث إستهلاك الصين الكبير للطاقة.
- تسعى الصين إلى التقليل من الاعتماد على "قاعدة جيبوتي" باعتبارها مجرد مرفق لوجستيات لدوريات بحرية لمكافحة القرصنة في المنطقة وليس أداة لاستعراض القوة، ولكن من المرجح أن تستخدم هذه القاعدة أيضاً كدعاية للحد من رد الفعل الأمريكي على "قاعدة جيواني."
- تسعى الصين لتعزيز "مبادرة الحزام والطريق" وهي خطة تنمية للطرق البرية والبحرية على 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.
- تخطط الصين لتحويل ميناء "جوادار" الباكستاني إلى ميناء ضخم لنقل البضائع عبر العالم، إلى جانب خطوط أنابيب الطاقة والطرق والسكك الحديدية التي تربط غرب الصين بغرب آسيا. ومن المقرر أن توفر القوات البحرية والجوية الصينية في "جيواني" الحماية لميناء "جوادار". وفي مقابل ذلك سيمنح الميناء المذكور موطئ قدم في غاية الأهمية للصين على المحيط الهندي.
- أشارت الصين إلى أنها ستضطلع بمهام عديدة تشمل التعاون العسكري، والتدريبات المشتركة، فضلاً عن مهام الإنقاذ الطارئة، والأهم من كل ذلك ضمان أمن واستقرار الممرات البحرية الإستراتيجية. ومن المؤكد أن قاعدة "جيواني" البحرية ستصب في صالح تحقيق هذه الأهداف.
- تعمل الصين منذ فترة طويلة على تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في سياستها الخارجية. ومن المعروف عن بكين أنها تفضل المصالح الاقتصادية على السياسية، وتعمل على توظيف السياسة لخدمة الاقتصاد. ومن المؤكد أيضاً أن ميناء "جوادار" الباكستاني سيلعب دوراً مهماً في تحقيق هذه الغاية.
- طلبت بكين من إسلام آباد القيام بتحديث كبير لمطار جيواني، وهذا الأمر باعتقاد الكثير من المراقبين سيمكن الصين من الاستفادة بشكل أكبر من الطائرات الكبيرة للأغراض العسكرية والتجارية.
- تأمل بكين في جعل علاقاتها مع إسلام آباد أكثر مرونة، وهو ما بدأت علاماته في البروز، فقد تمكنت الصين - بعد تغريدات ترامب - من الحصول على ما عجزت عنه خلال سلسلة من المحاولات، إذ أعلن البنك المركزي الباكستاني أنه فتح الباب أمام التعامل باليوان الصيني في واردات البلاد وصادراتها واستثماراتها.
وهذا الأمر يعبّر بحد ذاته عن تحول كبير في ظل ما شهدته السنوات الأخيرة من تشييد لطرق ومحطات طاقة وسدود وسكك حديدية تربط بين البلدين، ما أدى إلى تضاعف تبادلاتهما التجارية بشكل كبير، وهو ما ترجم بارتفاع قيمة تجارة البلدين البينية من 4 مليارات دولار عام 2007 إلى 13.7 مليارا عام 2016، وهو ازدهار تسارعت خطاه مع إطلاق الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان في مايو/أيار 2015، والذي يضم 37 منطقة اقتصادية خاصة، ويربط "شين جيانغ" في غرب الصين بميناء "جوادار" الباكستاني بالقرب من ميناء "تشابهار" الإيراني.
ويبدو أن الهند منزعجة من "خطة مارشال" الصينية الخاصة بباكستان، والتي تبلغ قيمتها 42.5 مليار يورو من الاستثمارات. وثمة تسريبات تفيد بأن هذه الأموال التي يفترض أن تقتصر على البنية الأساسية والطاقة ستضخ كذلك في كافة جوانب الاقتصاد الباكستاني.