الوقت- تتحدث تركيا عن جهودها لإعادة تنظيم الجماعات الإرهابية في سوريا على شكل جيش من 22 ألف مقاتل، وتشير الأدلة إلى أنها تستعد لمهاجمة "كانتون -في وادي المحلي –عفرين" في الجزء الغربي من الفرات. وفي الوقت نفسه، تحدث الأمريكيون في الأسابيع الأخيرة عن سعيهم لتشكيل جيش بمشاركة 30 ألف مقاتل (اغلبيتهم من الاكراد). وفي هذا الصدد طرحت العديد من التكهنات والسيناريوهات جراء هذه الاستعدادات على طول الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا. ويهدف هذه المقال إلى تقديم صورة دقيقة إلى حد ما عن التطورات والسيناريوهات في شمال سوريا وتقيميها بشكل موضوعي وحساس.
اولاً-على عكس ما يدور في محادثات أستانا وسوتشي التي تقام برعاية إيران وروسيا، وعلى عكس المفاوضات السورية -السورية التي تقام في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وجهت الحكومة التركية قواتها نحو حدودها الجنوبية مع سوريا من اجل مواجهة ما اسمته التهديدات الكردية لامنها القومي. ومنذ حوالي ثمانية أيام، يش الطيران الحربي التركي غارات مكثفة على مواقع القوات الكردية في مدينة عفرين، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر عن الحدود التركية. وفي الوقت نفسه يعد جيشًا من 22 ألف مقاتل من 3 جماعات إرهابية على شاكلة الجيش الحر (تجميع المخالفين للنظام السوري).
وبحسب القانون الدولي يعد عمل الحكومة التركية " عدواناً " خطيراً على سوريا يمكن ان يكون له عواقب وخيمة على المنطقة. وذلك لأن العملية العسكرية لبلد ما على أراضي بلد آخر دون التنسيق معه قد يتسبب في تعقيد الظروف ويزيد من تدخلات الدول الخارجية في نزاعات المنطقة. لذلك، يمكن القول إن العمل الأحادي الجانب للجيش التركي في سوريا والذي يتعارض مع أنظمة الجيش التركي، سرعان ما سيكون له أضرر عكسية على تركيا.
وامام هذه الوقائع، يطرح سؤال: هل الجيش التركي قادر على تحقيق ما قيل في تصريحات وبيانات رسمية من قبل السلطات التركية دون تدخل عسكري مباشر وفقط من خلال الميليشيات الإرهابية التي دعمتها وغذتها منظومة الأمن التركي لسنوات عديدة؟
وفي هذا السياق، تعيش غرفة العمليات التركية قلقاً كبيراً من مخاوف اجرائها مثل هذه العملية الضخمة على الحدود التركية السورية، حيث اكتفى الجيش التركي منذ إعلانه عن عمليه عسكرية في عفرين السورية منذ 8 أيام، بالقصف المدفعي وهذا يدل على التخبط الذي تعيشه غرفة العمليات التركية بين مؤيد للعملية وبين رافض لها. ومن ناحية أخرى، فإن ال 22 ألف مقاتل الذين تتحدث عنهم أنقرة هم نفس الإرهابيين الذين كانوا يعرفون باسم "الجماعات القابلة للتفاوض" في مفاوضات استانا، وقد تعرضوا لهزائم كبيرة من قبل الجيش السوري مما يعني انهم ليس لديهم الخبرة الكافية في القتال والصمود امام المقاتل الكردي، كما ان غرفة العمليات تخشى مفاجاءات الجيش السوري وحلفائه الذين باستطاعتهم وقف العدوان التركي بعد الخبرة التي اكتسبوها في ميادين القتال.
ثانياً-تركيا، وعلى الرغم من قلقها من وجود الاكراد على طول حدودها الجنوبية، الا انه ليس مرجح ان نرى اشتباك مباشر بين الطرفين، حيث يردد الاتراك ان الهدف الرئيسي من العمليات العسكرية هو اضعاف الاكراد وليس القضاء عليهم. وتحاول تركيا تخفيف جو النقد الذي حصل بعد إعلانها عن اجراء عملية عسكرية على الحدود التركية السورية بسبب عدم التنسيق مع النظام في سوريا وإيران، وذلك عبر اجراء مشاورات مع مسؤولين إيرانيين ربما تخفف جو الاحتقان السوري.
ومن هذا المنطلق تسعى الحكومة التركية الى التخلص من الجماعات الكردية بقيادة صالح مسلم، ولكن الحقيقة هي أن الأعمال التركية في شمال سوريا ليست بحسن نية، فعدم التنسيق التركي مع إيران وسوريا يعي ان مشروع تركيا في شمال سوريا يحمل في طياته اموراً خطيرة.
ثالثاً-تسعى تركيا من خلال هذه العمليات الى انشاء دولة فدرالية مرتبطة فيها، وهي على شاكلة مشروع الاكراد في الشمال السوري، على ان تكون خاضعة بشكل مباشر وبكل مكوناتها العربية والكردية للحكومة التركية في اسطنبول، وهذه المنطقة تمتد من منطقة الباب (شرقي حلب) الى ادلب (شمال الغربي من سوريا). وتسعى تركيا الى هذا الامر منذ مباحثات لوزان بعد الحرب العالمية الأولى. ويعد دخول الاتراك لوحدهم في هذه العملية دون التنسيق مع اي أحد امرا خطيراً اذ تخطط انقرة للاستيلاء على المدن التي ستسيطر عليها والحاقها بالاراضي التركية.
رابعاً-ان الموقف الروسي هنا مهم جدا، لأنه من ناحية، ستكسر الإجراءات التي تقوم بها تركيا على الحدود السورية محادثات استانا والاتفاقات المقبلة التي دفع الروس اثمان باهظة من اجل الوصول اليها. ومن جهة أخرى تعد المنطقة الشمالية لسوريا منطقة يتردد اليها الروس وبذلك لا تستطيع انقرة الاقدام على أي مغامرة دون موافقة بوتين عليها.
خامساً-وفي الوقت نفسه، يعتبر الأكراد في هذه العملية الضحية الأكبر، لأنهم لن يستطيعوا ان يواجهوا الجيش التركي والإرهابيين معاً، ولكن ايضاً هم يتحملون مسؤولية افعالهم بسبب إقداماتهم السابقة بالانفصال ومطالبتهم أمريكا بتقديم المساعدة لهم من اجل انشاء دولتهم المنشودة، ما دفع الاتراك الى اجراء كهذا. وفي الواقع ان الأكراد تحت قيادة صالح مسلم قد دفعوا قوى مثل أمريكا وتركيا إلى شمال سوريا نتيجة لعدم انضمامهم إلى الحكومة المركزية في سوريا، وبفعلتهم هذه أصبحوا مشكلة مشتركة لكل من سوريا وتركيا وإيران.
سادساً-إن عمل الحكومة التركية سيزيد بالتأكيد من التوترات في مناطق خفض التصعيد، وبالتالي التأثير على مباحثات استانا التي جرت في مارس الماضي من اجل الحد من الصراع وإنهاء الأزمة الأمنية في سوريا. وقد يؤدي ذلك الى انسحاب تركيا من مباحثات استانا وسوتشي وجنيف وبالتالي انسحاب إيران وروسيا من هذه المباحثات أيضا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عمل الحكومة التركية سيسبب توتراً كبيراً في المنطقة وسيؤثر على علاقات أنقرة مع دول الجوار.
سابعاً-وعلى الرغم من التهديدات المتكررة للأكراد من حكومة أردوغان، فإن امريكا لم تتدخل الى جانب الأكراد، وحتى البنتاغون أعلن أنه يقدر مخاوف تركيا. وفي وقت أكد في " "سیبان حمو" أحد القادة العسكريين الاكراد ان أمريكا ستتدخل الى جانب الاكراد في حال اندلاع مواجهة مع الاتراك في عفرين، مقللا من إمكانية الهجوم التركي على عفرين. الا ان المواجهة ستقع ومرة أخرى يؤكد فيها الأمريكيون انهم غير صادقين بأقوالهم. وفي هذا الصراع، فإن الأكراد لن يفقدوا فقط المناطق التي استولوا عليها في الرقة، وشرق وجنوب وغرب حلب، ولكن قد لا تكون لهم القدرة حتى على ضمان إدارة مقاطعة الحسكة لأنفسهم.