الوقت- الأكراد قومية عرقية يتوزع وجودها بين تركيا والعراق وسوريا وإيران، وقد سعوا في مراحل متعددة من تاريخهم الحديث لبناء دولة تمثل كيانا قوميا لهم، لكنّهم اصطدموا بعراقيل في تلك الدول حالت دون تحقيق حلمهم. لكن مع اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، بات الأكراد السوريون يملكون ورقة يلعبون بها. فهم الذين لا يتخطى عددهم المليوني نسمة، والذين لم يكن لهم أي فعالية على الصعيدين الإجتماعي والسياسي، منذ انتهاء الوصاية الفرنسية في العام 1946 وحتى العام 2011، وكانت الدولة السورية تعتبرهم مهاجرين من تركيا حتى ذلك الحين، مع تطوّر الأحداث الميدانية باتت الأرضية مهيّأة أمامهم للمشاركة في المعادلات الكبرى.
وحزب الإتحاد الديمقراطي الذي كان قبل الأحداث يعتبر فرعا من حزب العمال الكردستاني وكان يمارس نشاطه بالخفاء، بات بعد الأزمة مسيطرا على أجزاء من الرقة والحسكة وحلب. لتتشكّل بعدها أقاليم عفرين، الجزيرة وكوباني. وتوجّهت الأنظار إلى العنصر الكردي في سوريا بعد المواجهات التي خاضها مع تنظيم داعش الإرهابي في كوباني. خصوصا بعد دعم الولايات المتحدة الأمريكية الرسمية له، حيث كانت البداية حين قدمت المساعدات العسكرية لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية النساء في العام 2014. ولا يمكن الإنكار أن امتداد وتوسّع النفوذ الكردي يعود للدعم الأمريكي له.
إلا أن الدخول الروسي إلى الميدان السوري في أواخر العام 2015، وسعيها إلى توطيد العلاقات مع الأكراد هناك، وموافقة حزب الإتحاد الديمقراطي على افتتاح ممثلية لهم في موسكو، غير الموازين.
وفي 17 آذار 2016 أعلن الأكراد في سوريا إنشاء نظام فدرالي بمناطق سيطرتهم شمالي البلاد، وذلك خلال اجتماع عقد في مدينة الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرقي البلاد.
قضى الإعلان بتشكيل مجلس تأسيسي للفدرالية ونظام رئاسي مشترك، والمناطق المعنية بالنظام الفدرالي هي المقاطعات الثلاث ذات الأغلبية الكردية: عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، وعفرين بريف حلب الغربي، ومنطقة الجزيرة في محافظة الحسكة، بالإضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية بداية 2016. وفي أواخر أيام داعش، استطاع الأكراد أيضا فرض سيطرتهم على جزء من منطقة دير الزور.
الآن وبعد القضاء على تنظيم داعش، وتمكّن الدولة السورية ومعها حلفاؤها من استرجاع معظم أراضي الوطن، باتت الأنظار تتوجّه نحو اللاعب الكردي، ولعلّ السؤال الأهم في الفترة الحالية هو أي اتّجاه سيسلك الأكراد في سوريا مستقبليّا؟ أو بعبارة أوضح، في أي ضفة سيقفون، موسكو أم واشنطن؟
في الإجابة على هذا السؤال، سنعرض ثلاث سيناريوهات محتملة:
1- الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع أمريكا والإبتعاد عن روسيا
السيناريو الأول يمكن تصوّره كالتالي، فبسبب الخلاف الروسي – الأمريكي حول مستقبل سوريا، سيضطر الأكراد في النهاية بطلب من واشنطن، متابعة حلفهم معها فقط، وقطع العلاقة مع موسكو. ويمكن القول أن هذا السيناريو منطقي جدّا خصوصا بعد التدقيق في الأوضاع الميدانية السورية والدعم الكبير الذي قدمته واشنطن للأكراد. لكن لا يخفى على الأكراد في سوريا أن الدعم الأمريكي لن يدوم طويلا وأن واشنطن ستعود في النهاية إلى حليفها التركي، وثانيا تعد روسيا حاليا الفاعل الوحيد الذي دافع بشكل غير رسمي عن مطالبهم، كإنشاء الفيدرالية والدعوات إلى محادثات السلام، وبالتالي ليس لديهم نية لفقدان دعم موسكو لهم.
2- الإنضمام للواء الروسي والابتعاد عن الولايات المتحدة
سيناريو آخر يمكن حدوثه في المستقبل القريب، هو اقتراب أكراد سوريا من المعسكر الروسي، والإبتعاد عن الضفة الأمريكية، وذلك بسبب عدم ثقتهم بوعود واشنطن، ومعرفتهم بأنهم سيكونون عما قريب أضاحي الإتفاق الأمريكي مع أنقرة. وعلى هذا الأساس يتوجّب عليهم التنسيق مع روسيا، خصوصا أن الأراضي السورية باتت تحت سيطرة الدولة وحلفائها، ومن ضمنهم روسيا، والولايات المتّحدة ليست لاعبا يمكن التعويل عليه.
3- إقامة علاقات ثنائية مع الولايات المتحدة وروسيا
سيناريو آخر يمكن حدوثه مستقبليّا، يجمع السيناريوهين السابقين، وهو إقامة علاقات ثنائية مع الولايات المتحدة وروسيا في الوقت نفسه، وعلى هذا الأساس يعمل أكراد سوريا على المحافظة على تحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والإبقاء على تعاونهم من موسكو من جهة أخرى. فللحفاظ على مكانتهم على الأرض السورية، لا يمكنهم الوقوف على ضفة واحدة، بل عليهم العمل بطريقة ترضي الطرفين، ويكون المكون الكردي الرابح فيها.
حتما سيكون القرار الكردي مبنيّا على مصالحه، التي على أساسها سيختار القوة العالمية التي بإمكانه أن يصل إلى أهدافه من خلالها، ولذلك سيكون قرار القيادة الكردية مرتبطا بالتطوّرات المستقبلية. ولأن روسيا لديها تأثير أكبر في الميدان السوري، سيكون لزاما عليهم أن يحافظوا على علاقتهم بموسكو، فهم يعلمون أن مخالفة روسيا لهم تقف عائقا في طريقهم، على الرغم من الدعم الأمريكي، ومن جهة أخرى لا يريدون خسارة هذه الدعم. إلا أنهم يعلمون جيّدا أن الغاية من الدعم الأمريكي لهم، هو استخدامهم كوسيلة لتحقيق أهداف واشنطن.