الوقت- التحركات السياسية الأخيرة التي تشهدها المنطقة تنذر بموجة تحالفات جديدة قد تأخذ معالمها الكاملة مع بداية العام الجديد لكونها لاتزال حاليا في مرحلة المخاض ولا أحد يعلم إن كانت ولادته ستكون يسيرة أم عسيرة، ولكي نبتعد عن الترميز، دعونا نبدأ من الحلف الذي تشكله تركيا الآن مع كل من قطر والكويت والسودان والذي على مايبدو بدأ يتعارض إلى حد كبير على الصعيد السياسي والعسكري مع كل من الامارات والبحرين والسعودية التي لم تخفي مشاعرها الغاضبة تجاه زيارة أردوغان الأخيرة إلى السودان.
حطت طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأحد الماضي 24 ديسمبر/كانون الأول في العاصمة السودانية "الخرطوم"، لتحمل معها هذه الزيارة الكثير من الدلالات والمعاني راسمة معها خريطة طريق جديدة قد ينبثق عنها تحالف جديد تقوده تركيا التي وجدت لنفسها طرف خيط سياسي يمكن أن تعمق من خلاله علاقتها مع كل من السودان وقطر والذي يتمثل بالتقاء الأنظمة الثلاثة في دعم الاخوان المسلمين فضلا عن أسباب أخرى سنشرحها بالتالي:
أولاً: كلنا نعلم بأن كل من الامارات والسعودية والبحرين بالإضافة إلى مصر قاموا بمحاصرة قطر ومقاطعتها وفرضوا عليها حظرا جويا وبريا وبحريا وخلال الأسبوع الماضي أغلقت السعودية آخر منفذ بري مع قطر "منفذ سلوى" وهو المنفذ البري الوحيد الذي كان يربط قطر مع سائر العالم، وفي ظل هذا الحصار لم تجد قطر منقذا لها سوى الجمهورية الاسلامية في ايران التي مدتها وما زالت تمدها بجميع حاجياتها، وهنا دخلت تركيا أيضا على الخط لمؤازرة قطر مرسلة جنودها فضلا عن وجود قاعدة عسكرية تركية على الاراضي القطرية، وربما هذا ما عقد الامور أكثر وأكثر مع السعودية ليتبعها موضوع القدس عندما أصدر الرئيس الامريكي قرارا يعترف فيه بأن القدس عاصمة اسرائيل، عندها حشدت تركيا من خلال عقد قمة اسلامية لدعم القدس بينما بقيت السعودية صامتة وشاركت بأقل تمثيل دبلوماسي، وهذا الدعم الذي يعمل عليه أردوغان لدعم القدس لايتناغم مع سياسة الرياض الحالية التي لم تبدي أي اهتمام ملحوظ تجاه هذه القضية.
ثانياً: الرئيس التركي يزور السودان لعدة أسباب "اقتصادية، سياسية وعسكرية"، من الناحية الاقتصادية، سيوقع البلدان 12 اتفاقية تشمل مجالات الزراعة والنفط والتعدين والبنية التحتية والصناعات، بالإضافة إلى اتفاقية شاملة وُصفت بأنها اتفاقية تعاون إستراتيجي، وقال مسؤولون سودانيون إنه من المقرر أن يرتفع حجم الاستثمارات التركية والتبادل التجاري إلى أكثر من سبعة مليارات دولار عقب هذه الزيارة، ويبلغ حجم الاستثمارات التركية فى السودان 2 مليار دولار، وذلك فى الفترة من 2000 - 2017.
من جانبه دعا الرئيس التركي إلى رفع حجم التبادل التجاري بين بلاده والسودان إلى 10 مليارات دولار. وقال أردوغان إن "حجم تجارتنا مع السودان 500 مليون دولار الآن، وعلينا أن نرفعه إلى 10 مليارات دولار".
هذا اقتصاديا، أما سياسيا فقد ذكرنا أن كلا الدولتين أي "السودان وتركيا" يدعمان الاخوان المسلمين وبالرغم من التحالف الذي بنته السودان مع السعودية أملا بتدوير عجلة الاقتصاد السوداني أو على الأقل الحصول على هبات سعودية كما وعدت الاخيرة شريطة إرسال جنودها إلى اليمن للقتال هناك، والنتيجة ماذا؟! مقتل عشرات الجنود السودانيين دون أي مقابل وغرق السعودية في مستنقع اليمن أكثر من أي وقت مضى وفشل في تحقيق أي هدف سعودي في اليمن هذا إن كان موجود أصلا، والأهم أن الاقتصاد السوداني لم يشهد أي تحسن، لذلك كان لابد من الاستدارة على هذا الحلف الذي لم يجلب أي فائدة للسودان، من البديل؟!، الجواب: تركيا لكونها تتناغم معها في الكثير من المسائل السياسية وكان واضح الغزل السوداني تجاه تركيا في الزيارة الأخير لأردوغان والتي قال فيها الرئيس السوداني عمر حسن البشير: "نحيي الرئيس أردوغان باسم الشعب السوداني على ما يبذله من أجل نصرة قضايا المسلمين، والتي كان آخرها موقفه الصلب من قضية إعلان أمريكا "القدس عاصمة لإسرائيل"، لافتا إلى أن زيارة أردوغان تعتبر زيارة تاريخية إلى السودان وحجر أساس لبناء علاقات قوية جدا بين تركيا والسودان.
وسبق هذا الكلام غزل تركيا تجاه السودان، حيث قال أردوغان قبيل زيارته إلى السودان إن تركيا لن تنسى وقوف السودان حكومة وشعبا إلى جانبها عقب المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها منتصف يوليو/تموز 2016، وثمّن أردوغان مشاركة البشير في قمة التعاون الإسلامي التي انعقدت في إسطنبول بشأن القدس الأسبوع الماضي.
ثالثاً: الظروف التي تمر بها كل من السودان وقطر في المرحلة الحالية شكلت فرصة ذهبية للأتراك لاستغلال الظرف وتمتين العلاقات مع كلا الدولتين وإملاء الفراغ السعودي، فضلا عن التقاء المصالح بينهم فقطر محاصرة من السعودية والبحرين والامارات التي فتحت حربا كلامية مع تركيا قد تكون نتائجها وخيمة في القادم من الأيام، والسودان لم تحظى بأي ميزات من خلال تحالفها مع السعودية بل على العكس تأزمت أمورها الاقتصادية أكثر من السابق فضلا عن الضغوط التي يتعرض لها الرئيس البشير جراء ارسال قوات له إلى اليمن.
وربما تريد تركيا من خلال هذه التحركات أن تخفف من ضغط دول المقاطعة على قطر وبناء تحالفات جديدة تجدها تركيا أقرب إلى سياستها التي بات واضحا أن تتعارض مع كل من السعودية والبحرين والامارات، فالأولى تحاصر قطر حليفة تركيا ولاتهتم بقضية القدس التي تعني لتركيا الكثير، والثانية تبني علاقات ممتازة مع اسرائيل في ظل مظاهرات عمت أرجاء العالم للدفاع عن القدس والانكا من ذلك أنها ترسل وفود إلى هناك، أما الثالثة فتحارب الاخوان المسلمين وتعتقلهم في بلادها فضلا عن اتهامها بدعم الانقلاب الفاشل في تركيا لتتأزم الامور أكثر وأكثر مع الامارات بعد أن أثارت تغريدة أعاد نشرها وزير خارجية الإمارات غضباً تركياً؛ لاتهامه العثمانيين بارتكاب انتهاكات في المدينة المنورة قبل قرن من الزمن.