الوقت- من الإغراق أن نعتبر أن الصفقة السعودية لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية الشهيرةS400 هي نقطة تحول سعودية واستدارة باتجاه أحضان موسكو، بل إن السعودية لم تقم بهذه الخطوة إلا من أجل أهداف تكتيكية غير استراتيجية منها دغدغة الحليف الاستراتيجي "أمريكا" والضغط على الغرب لكسب الصمت أمام الممارسات السعودية والخليجية بحق الشعوب التي تطالب بالتحرّر.
بالعودة إلى الزيارة التاريخية للحاکم السعودي لموسكو بداية هذا الشهر فإنها تؤكد اهتمام استثنائي للسعودية بالتقرب من الروسي خلال المدة الحالية، والسبب الدور الأساسي الذي يلعبه الروس في معادلة الميدان السوري وما لذلك من نتائج إقليمية في المنطقة.
قد يكون خبر الموافقة الروسية على بيع منظومة S400 للسعودية هو الأهم في الزيارة. فالسعودية التي تعتبر أهم سوق للأسلحة الغربية وخاصة الأمريكية دخلت سوق الأسلحة الروسية من بابه العريض. ويأتي هذا الحدث بعد أشهر قليلة على زيارة ترامب للسعودية في أيار مايو الماضي، الزيارة التي تمّ خلالها عقد صفقات سلاح من المفترض أنها كافية لتأمين الأمن السعودي لعقود.
وانطلاقا من هنا لا بد من التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت السعودية لشراء السلاح الروسي.
تحدثت بعض التقارير السعودية عن حقيقة أن السلاح الروسي فعال وأقل كلفة مقارنة مع الأمريكي، ولكن هذا السبب ليس وجيها، فالمتابع لسياسة التسلح السعودية يعلم أن معيار الكلفة ليس مطروحا بالأصل عند آل سعود. الحقيقة أن آل سعود يريدون توجيه رسالة للأمريكيين على خلفية امتعاضهم من الأداء الأمريكي في الملف القطري، وليس هناك افضل من الروسي للتقرب منه وفي هذه المرحلة بالذات، فالروسي هو العدو التاريخي لأمريكا والتقارب العسكري معه يعني الكثير بالنسبة لواشنطن.
المسألة الأخرى أن السعوديين وبالتقرب من روسيا يسعون لخوض نفس المصير الذي يتبعونه مع ترامب، أي سياسة التطميع من أجل كسب الودّ، والروسي لا يمانع هذا الأمر ولم يقفل الباب يوما في وجه السعودية على الرغم من استراتيجيته المغايرة لهم في المنطقة وتقربه من المحور الإيراني ودفاعه الحاسم عن النظام السوري.
تظنّ السعودية أن التقرب من موسكو سيؤثر على سياسات الأخيرة والمعادلة المعقدة في الميدان السوري، خاصة أن الطرف القوي اليوم في الساحة السورية هو المحور الروسي الإيراني الداعم لنظام بشار الأسد. نجح هذا المحور في إضعاف القوى الحليفة للسعودية على الأرض والتي لا تزال مصرة على التأزيم ومنع الحلّ.
السبب الآخر الذي يدفع السعودية للتقرب من موسكو هو النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا. وقد تحدثت مصادر في الكرملين عن عرض سعودي واضح وصريح من قبل شخص سلمان لبوتين يقول العرض "فليبقى الأسد في الحكم ولترحل إيران من سوريا". هذا الطلب يؤكد أن السعودية أدركت أن اللعبة باتت أكبر من الأمريكيين ولا يمكن لهم ضبطها دون الروسي.
طبعا هناك أسباب عسكرية أيضا تدفع الرياض لشراء هذه المنظومة الروسية، فالعدوان على اليمن أكّد أن منظومة الباتريوت الأمريكية فاشلة أمام الصواريخ اليمنية، فكيف بها في مواجهة القوة الصاروخية الإيرانية التي ثبتت نفسها كقوة أولى في المنطقة. (تجربة الصاروخ البالستي الإيراني خرمشهر أثبت أن إيران هي الأولى في المنطقة بلا منازع في التكنولوجيا الصاروخية).
عسكريا أيضا، تسعى السعودية لتكون في مصاف الدول الأولى في المنطقة عسكريا، فتركيا عقدت مؤخرا صفقة شراء منظومة S400 الروسية وإيران تمتلك منظومة S300 وعندها منظوماتها الدفاعية الخاصة، لذلك تجد السعودية نفسها مجبرة على سلوك هذا الطريق للحاق بركب دول المنطقة الكبرى.
طبعا كل الأسباب تشير وتؤكد وبشكل لا يقبل الشك إلا أن السعودية ليست في حالة تخلي عن الحضن الأمريكي للوقوع في حضن موسكو، وإنما مجرد تكتيك مرحلي تحاول الاستفادة منه على عدة جبهات، دغدغة الأمريكي والضغط على الغربي وكسب ودّ الجانب الروسي.
طبعا من المهم التأكيد أن موسكو مطلعة على هذه الحقائق وتعلم أن هناك حدود للتقارب السعودي لا يمكن لهم تخطيها، والسبب أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط الرياض وواشنطن وحقيقة أن واشنطن هي التي تحيك السياسات السعودية حتى الداخلية لا تسمح مطلقا بخروج السعودية من الحضن الأمريكي. وبناء عليه فإن تعاطي موسكو يبقى ضمن هذا الأفق القصير.