الوقت- دفعت الأزمة الخليجية قطر للتوجّه نحو العسكرة وصفقات السلاح. ارتفاع الأصوات الخليجية منذ بدء الأزمة وطرح الخيار العسكري على الطاولة الإعلاميّة، دفع بالإمارة الغازّية لإبرام عدّة صفقات عسكريّة ضخمة.
أسباب عدّة تفسّر التسلّح القطري، الذي يتوازى مع تسلّح سعودي، وإماراتي بدرجة أقلّ، غير مسبوق، فيما يلي مقدّمة عن هذه الصفقات وتفاصيلها، ولاحقاً الوقوف على أبرز أسبابها.
صفقات عسكريّة
في 7 يونيو الماضي، وبعد يومين فقط على بدء الأزمة، سارعت قطر إلى تفعيل الاتفاقية الموقعة عام 2015 بين أنقرة والدوحة، والتي تنص على إقامة قاعدة عسكرية تركية، ونشر 5 آلاف جندي تركي على الأراضي القطرية. وكان من المتوقّع أن تصدر تركيا وفق الاتفاقيّة تصدّر أجهزة عسكرية إلى قطر، تبلغ قيمتها 2 مليار دولار عبارة عن سيارات مدرعة، وطائرات من دون طيار، ومعدات عسكرية متنوعة للاتصالات.
في 15 يونيو الماضي، وتحديداً بعد 10 أيّام فقط على بدء الأزمة الخليجية أبرمت قطر صفقة عسكرية مع وزارة الدفاع الأميركية لشراء طائرات مقاتلة من طراز إف15 بقيمة 12 مليار دولار. في اليوم ذاته، أعلنت وزارة الدفاع القطرية وصول سفينتين تابعتين للقوات البحرية الأمريكية إلى ميناء حمد الدولي القطري للمشاركة في تمرين مشترك مع القوات البحرية الأميرية القطرية.
في 2 أغسطس الماضي، وبعد مرور ما يقرب من شهر ونصف الشهر على إبرام قطر لصفقة الطائرات الأميركية، أعلن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الأربعاء، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيطالي، أنجيلينوألفانو، عن توقيع صفقة لشراء 7 قطع بحرية عسكرية من إيطاليا بقيمة 5 ملياراتيورو (5.9 مليار دولار).
في 18 سبتمبر الماضي، وقّع وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع خالد العطية مع نظيره وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون صفقة مع بريطانيا لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز "تايفون". وتضمن خطاب النوايا سعي وزارة الدفاع لشراء 24 طائرة تايفون حديثة بكامل عتادها. كما ناقش الوزيران أوجه التعاون في المجالات العسكرية.
لم تكن ألمانيّة غائبة عن الصفقات العسكريّة، حيث أبرمت مع قطر صفقة أسلحة لبيعها 62 دبابة متطورة من نوع "ليوبارد – 2"، والتى تعتبر من أهم الدبابات الهجومية الألمانية، و24 عربة "BZH – 2000" من شركة "كراوس مافاىفيجمان" الألمانية، وبلغت قيمة الصفقة 2 مليار يورو.
أبرز الأسباب
هناك أسباب عدّة تفسّر التسلّح القطري، ولا يمكن حصرها بالأزمة الخليجية رغم أنّها تمتلك حصّة الأسد بعدما باتت الدوحة مهدّدة عسكريّاً، أبرز هذه الأسباب:
أوّلاً: كما أسلفنا أعلاه، تسبّبت الأزمة الخليجيّة في التوجّه القطري نحو المزيد من الصفقات العسكرية حيث علت الأصوات الإعلاميّة بتدخّل عسكري خليجي ضد قطر والتذكير باحداث مماثلة حصلا سابقاً. وفي حين نفى ترامب صحة التقارير التي زعمت تدخله لوقف عمل عسكري كانت دول خليجية تعتزم القيام به تجاه قطر على خلفية الأزمة، أكّدت شبكة بلومبرغ الإخبارية الأمريكية أن الأخبار المتعلقة بتحذير الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية من القيام بأي عمل عسكري ضد قطر، أخبار صحيحة تماماً.
ثانياً: ونظراً للضعف البنية العسكرية العديدية للجيش القطري حيث يبلغ قوام القوات المسلحة القطرية 11800 فرد، ينقسمون إلى 8500 في القوات البرية، و1800 في القوات البحرية، و1500 في القوات الجوية، باتت قطر مجبرة لمواجهة التهديدات باللجوء إلى الحلفاء (تركيا)، والتكنولوجيا العسكريّة المتمثّلة بالصفقات العسكري، وهذا ما يفسّر أيضاً فرض التجنيد الإجباري على المواطنين القطريين، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً، لمدة 4 أشهر، وتقل هذه المدة إلى ثلاثة أشهر لأصحاب المؤهلات العليا، ويظل الفرد في خدمة الاحتياط لمدة 10 سنوات من انتهاء التجنيد، أو ببلوغه سن الأربعين، أيهما أقرب.
ثالثاً: التسلّح القطري ليس وليد الأزمة، بل قبلها بفترة طويلة، على سبيل المثال صفقة شراء 24 طائرة مقاتلة من طراز رافال التي تصنعها شركة داسو بقيمة 7.5 مليار دولار، والتي حضرها أمير قطر تميم بن حمد والرئيس الفرنسي فرانسواهولاند، وشملت أيضًا تدريب 36 طيارا ونحو 100 مهندسًا ميكانيكيا إضافة إلى ضباط مخابرات قطريين. والسبب الرئيسي يعود لموجة التسلّح الخليجية التي شكّلت تهديداً لقطر، خاصّة أنها كانت مجبرة على الرضوخ للشروط الخليجية بعد أزمة سحب السفراء عام 2014. الضعف العسكري القطري، وعدم وجود ظهير عسكري حينها، كتركيا، دفع بها للتوجّه نحو الصفقات العسكرية.
رابعاً: هناك من أوعز الصفقات لأسباب سياسيّة بغية شراء الرضا الغربي. يرجّح توني أوزبورن في مجلة أفييشن ويك أن يكون الدافع المنطقي وراء هذه الصفقات هو السياسة مثل أي اعتبارات استراتيجية. أي أنّ الدول الموقِّعة لن تقف ضد قطر، يل ستعمد إلى إطلاق مواقف سياسيّة تميل نحو الدوحة، أو وسطيّة على أقلّ تقدير. بعبارة أخرى، يرى البعض أن الصفقة عبارة "رشاوى سياسيّة" تسعى من خلالها الدوحة أن تكسب تأييد القوى الغربية الكبرى في أزمتها الراهنة مع دول المقاطعة.