الوقت- الرقعة الجغرافية، الموارد الطبيعية، الطاقات البشرية كلها عوامل تساعد الدول وتُساهم بشكل كبير في تشكيل الواقع والثقل التأثيري في المحيط، ولكن أحيانا وبسبب الفشل السياسي أو فلنسميه "سوء التدبير السياسي" كل هذه العوامل ولو اجتمعت لا تكفي لتؤمن استقرار دولة أرادت تحويل محيطها إلى أتباع فكانت النتيجة مآزق وحروب وأزمات باتت أكبر من طاقتها وإمكاناتها.
الحديث هنا عن النظام السعودي، نظام يتفق العدو قبل الصديق أنه يختزن من الإمكانات والعوامل المساعدة الكثير الكثير ليكون من أهم الأنظمة وأكثرها تأثيرا في الإقليم. فالمساحة الجغرافية الشاسعة التي يحتلها هذا البلد وحدها تؤهله ليكون في مقدمة الدول الخليجية ناهيك عن الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط حيث يُعتبر المُصدّر الأول لهذه المادة في العالم، هذا إضافة إلى الواقع الديني المتمثل بوجود قبلة المسلمين في هذا البلد. كلها عوامل كفيلة برفع السعودية إسلاميا وعربيا.
الواقع اليوم مغاير تماما، فالنظام السعودي غارق اليوم في سلسلة من المآزق والأزمات التي لا يعرف كيفية الخروج منها. وهنا يكمن الخلل، حيث أن النظام السعودي أو الأفضل أن نقول نظام آل سعود الحاكم في بلاد الحجاز ومنذ تأسيسه حكم بشكل جعل آل سعود هم المحور والملوك على هذه البلاد. ومنذ الأيام الأولى لحكم آل سعود سعوا لوضع القبائل والعوائل الأخرى تحت عباءتهم على شاكلة أتباع وليس حلفاء كما يُفترض، مستفيدين فيما بعد من اكتشاف النفط في بلادهم الذي أعطاهم قدرات مالية واقتصادية ضخمة تحولّت اليوم إلى لعنة تزيد في مأزقهم.
قد يقول البعض إن الكلام الذي ذكرناه بحاجة إلى شواهد، الشواهد تتحدث عن نفسها اليوم، فإليكم نموذج دولة قطر والأزمة التي افتعلتها السعودية معها، لم يقبل آل سعود أن يكون لحكام قطر أي مساحة حرية وقرار سيادي فقرروا فرض حصار اقتصادي وسياسي عليها، حصار باء بالفشل ولكن التعنت السعودي يمنعهم من التراجع عما أقدموا عليه.
اليمن التجربة نفسها، بعد عقود من التبعية للسعودية ولأن الشعب اليمني قرّر التحرر من هيمنة الشقيقة الكبرى التي حوّلت اليمن السعيد إلى خراب وبلاد لا مقدرات فيها شرع آل سعود عدوانا دمّر الحجر والبشر، عدوان مستمر منذ أكثر من عامين دون نتيجة أو هدف. فقط وفقط بسبب الغطرسة التي يكتنزها آل سعود والتي تمنعهم اليوم من الخروج من مستنقع اليمن والاقتناع بأن اليمن يمكن له أن يكون دولة قوية صاحبة سيادة وقرار.
سلطنة عُمان، تمكنت بهدوء وحكمة من الخروج من العباءة السعودية خلال العقدين الماضيين، وباتت اليوم صاحبة تأثير إقليمي قد يكون أحيانا أكبر من السعودية نفسها، كيف ذلك من خلال سياسة الحوار واليد الممدودة للجيران من الدول الإسلامية ومثال إيران خير شاهد على هذا الأمر.
الإمارات هي الأخرى لم تعد تابعة للسعودية، وتمكنت من خلال تقوية البنية الاقتصادية والانفتاح على العالم وتوطيد العلاقة بأمريكا أن تجعل قرارها سياديا لا يتبع السعودية ولو أن هناك تناغم معين بينها وبين شقيقتها الكبرى. تناغم لا تجرؤ السعودية على كسر سياقه خوفا من ردة فعل حكام الإمارات. وخير دليل على أن الإمارات لها وزنها لدى آل سعود ما يحصل في اليمن حيث أن الإماراتيين ينفذون برنامجهم الخاص الذي يضرّ بمصالح السعودية في كثير من الأحيان.
الكويت، نعم إنها تسعى للحؤول دون الغضب السعودي عليها، والسبب الواقع الجغرافي والسياسي الضعيف الذي تمتلكه، ولكنها رغم ذلك تنأى بنفسها عن القرار السعودي عندما تسنح الفرصة وخير دليل الأزمة القطرية التي تلعب فيها الكويت دور الوسيط.
وحدها البحرين تمثّل النموذج الذي يحبه آل سعود، فهي تابعة بشكل كامل لسياسة البلاط السعودي وليس من المبالغة القول أن البحرين تمثّل اليوم محافظة سعودية حيث أن القرارات التي تتعلق بالداخل تأخذها من الرياض. والسبب واضح أن النظام البحريني المستبد يخشى من المعارضة الداخلية ولا خيار أمامه سوى تسليم نفسه وزمام أموره لآل سعود للبقاء في السلطة.
قد يكون سبب هذا الفكر الذي يكتنزه آل سعود هو عبوديتهم العمياء لأمريكا (التي يعتبرونها ربهم الأعلى)، إذا هو أسلوب حياة وعقدة نقص لا يمكن لهم السيطرة عليها وإرضاء ذاتهم إلا من خلال التحكم برقاب آخرين.
لو افترضنا أنهم (آل سعود) عملوا بأسلوب آخر لتعزيز قدرتهم ونفوذهم، أي من خلال التعاون على قاعدة الشراكة والتحالف وليس التبعية، ولو مدّوا أيديهم إلى محيطهم الإسلامي والعربي فما ستكون النتيجة؟ من الحتمي أنها أفضل مما هي عليه اليوم. آل سعود وبسبب سياساتهم المتغطرسة باتوا مهدّدين بحكمهم ووجودهم وبدل أن يتحول حلفاؤهم إلى أتباع باتوا أعداء وبات الشرخ في عقر دارهم، فليحتسبوا وليعاودوا التفكير بما اقترفته أيديهم لعل الوقت يُسعفهم قبل فوات الأوان.