الوقت- يواجه كيان الاحتلال مجموعة من التحديات على المستوى الداخلي والخارجي، ابتداءا من الأزمات التي تعصف بمؤسساته العسكرية وعزوف جنودها عن الالتحاق بالوحدات القتالية مرورا بالهجرة المعاكسة وفرار يهود الكيان الاسرائيلي إلى أوروبا وتراجع عدد المهاجرين اليهود إلى الكيان الصهيوني بنسبة 13% خلال العام الماضي وصولا إلى قضية حساسة جدا قد تقلب الطاولة على السلطة السياسية داخل الكيان، تتمثل بدخول اليهود بمختلف تياراتهم بصراع مفتوح قد يصل مداه إلى المساس بتعريف الوجود اليهودي بحد ذاته.
ونظرا لحساسية الموضوع الأخير سنلقي الضوء على أبرز النقاط التي دفعت إلى ظهور هذا الصراع وأسبابه ومن يقف خلفه، وهذا الأمر سيقودنا حتما إلى طرح تساؤل عن دور نتنياهو الحالي في هذه القضية وهل دفعته السياسة لتفضيل مصلحته الشخصية على المصلحة الاسرائيلية؟!
قضية الصراع بين التيارات اليهودية ليست بالجديدة ولكنها ظهرت مجددا بعد أن أعلنت الحكومة الاسرائيلية في 25 حزيران/ يونيو الماضي، عن تجميد الاتفاق التاريخي؛ الذي تم التوصل إليه في كانون الثاني/ يناير سنة 2016 بعد سنوات من المفاوضات، بشأن الدخول المتعدد للمؤمنين إلى حائط البراق في البلدة القديمة من القدس.
ومن خلال هذا الأمر يتبين لنا أن حكومة نتنياهو فضلت الحسابات السياسية على الروابط الروحية التي تجمع يهود الخارج بالكيان الاسرائيلي، وبالتالي فإن يهود الخارج شعروا بـ"الخيانة" من قبل نتنياهو، وفي هذا السياق كتبت صحيفة لوموند الفرنسية أن " كلمة "الخيانة" تلخص المرارة التي تشعر بها مختلف التيارات اليهودية في الشتات".
وكان الاتفاق التاريخي الآنف الذكر يشمل ثلاث نقاط رئيسية: أولا، توسيع مساحة الصلاة على طول الحائط، مع الأخذ بعين الاعتبار القسم المختلط لمن ليسوا من الأرثوذكس وتخصيص مربع مخصص للنساء، وثانيا، بناء مدخل واحد للوصول إلى كافة الأقسام، وثالثا، تشكيل الحكومة للجنة مشتركة لتنظيم الفضاء غير الأرثوذكسي، إلا أن سلطة الحاخامية الكبرى في "إسرائيل"، والتي يهيمن عليها الأرثوذكس، والتي يدعمها نتنياهو لأسباب سياسية بحتة تتوافق مع مصالحة، تسببت بخلق صراع مفتوح وأزمة تاريخية مع الجالية اليهودية في الخارج، وخاصة الأمريكية والفرنسية منها.
هذا الأمر صحيح أنه يصب في مصلحة نتنياهو في الوقت الحالي لكنه سيسبب للكيان الاسرائيلي أزمة حقيقية وسيساعد في تراجع الهجرة إلى الكيان الاسرائيلي وسيدفع بيهود الداخل خاصة "المحافظين والإصلاحيين" منهم للهجرة إلى خارج كيان الاحتلال، لأن هؤلاء اليهود بالإضافة إلى يهود الخارج ضاقوا ذرعا من الحاخامية الكبرى في "إسرائيل"، حتى أن الأخيرة تعتبر حركة " اليهود المحافظين" وغيرها من الحركات المماثلة؛ أشكالا منحطّة من اليهودية، لأنها منفتحة للغاية على الزواج المختلط، وعلى المساواة والأقليات، وتتكون الحركة آنفة الذكر من حوالي 600 من الأبرشيات حول العالم.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد فقط، حيث قامت الحاخامية الكبرى بوضع 160 حاخاما من 24 دولة على القائمة السوداء بسبب الخلاف على إسناد صفة "يهودي" للمهاجرين، وحاول نتنياهو تخفيف حدة التوترات فبتاريخ 16 آب/ أغسطس الجاري، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي من وزير العدل السابق، موشيه نسيم، أن يلعب دور الوسيط ويقوم ببلورة جملة من التوصيات بشأن أحد أسباب النزاع، ألا وهي من يسيطر على مسألة اعتناق اليهودية. في المقابل، لن تكفي هذه الخطوة التي أتت متأخرة لجبر الأضرار الحاصلة.
نظرة احتقار
هناك نظرة احتقار واضحة من قبل السلطة الدينية المركزية في "إسرائيل" تجاه اليهود الأمريكيين الذين ينتمون إلى الحركة المحافظة أو الإصلاحية، علما أن اليهود الذين ينتمون إلى الحركة الأخيرة يشكلون أكثر من 53 في المئة من اليهود الأمريكيين، بينما ينتمي 10 في المئة منهم فقط إلى الأرثوذكسية بحسب دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث سنة 2016، وهذا الأمر كفيل بوضع حكومة نتنياهو في "خانة اليك" عالميا وداخليا وتسبب له ضغوط كبيرة ستلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور بطبيعة الحال.
وما يقلق اليهود "العلمانيين" داخل الكيان الاسرائيلي وخارجه أن الحاخامية الكبرى تحتكر لنفسها تعريف اليهودية في الفضاء العام وتتدخل في المسائل الشخصية من قبيل التبنّي، أو الدفن، أو الزواج، أو الطلاق، أو اعتناق الديانة، ويقول يهود الشتات بأنهم فقدوا ثقتهم بكيان الاحتلال بعد الخيانة التي قام بها نتنياهو، بحسب ما صرح به الحاخام ستيفن ويرنيك.
ومن خلال ما تقدم نجد أن الكيان الاسرائيلي على شفا انفجار داخلي قد ينهي كينونته ويدفع به إلى الهاوية، في ظل هذه التحديات والكراهية ونظرات الاحتقار المتبادلة بين مختلف التيارات اليهودية، وكما يقول المثل الشعبي "بلغ السيل الزبى"، ولا أحد يعلم إلى أين سوف تتجه الأمور في القادم من الأيام.