الوقت- تجلت الخلافات السعودية المصرية للعلن في القمة العربية الأخيرة، لكن التوترات التي سادت علاقات الطرفين هناك لم تكن بنت ساعتها بل تعود أساسا إلى التغييرات السياسية الكبيرة التي شهدها البلدان كل علي حده، من إطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر إلى انقلاب تدريجي على أتباع الحكم السابق في السعودية من قبل الملك الجديد، إضافة إلى سياسات الملك السعودي الهجومية والمتدخلة حتي بالقوة العسكرية في بعض بلدان المنطقة، الأمر الذي لا تتحمله الدبلوماسية المصرية المعتمدة علي الحوار والحياد مع كافة قضايا العالم وخاصة بلدان التوتر في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
فقد أدت الرسالة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي القمة العربية والتي عمدت القيادة المصرية لتلاوتها في القمة، إلى إغاظة السعودية بسبب ما جاء في مضمون الرسالة من انتقاد لدعم الإرهاب والحرب غير المجدية على اليمن وضرورة انتهاج المنهج الحواري لحل أزمات المنطقة، الأمر الذي أخرج الخلاف المصري السعودي بقوة إلى الإعلام.
فعلى الصعيد اليمني وبالرغم من موافقة مصر على اشتراكها بالحرب إلا أنها لم تقدم على أي فعل اعتدائي على الجانب اليمني وكل تحركاتها كانت فقط للإطمئنان من عدم تهديد أنصار الله لعبور السفن التجارية عبر مضيق عدن. وقد سجل التحرك المصري حديثا تغييرا في السياسة تجاه اليمن بعد تقارير حول اتصالات سرية بين القاهرة وممثلي أنصار الله من أجل وقف نفوذ الإخوان المسلمين في اليمن على يد حزب الإصلاح، أما في المقابل، فالسعودية تراجعت عن سياستها السابقة التي انتهجتها في عهد الملك عبد الله من مواجهة نفوذ حزب الإصلاح وبدأت التواصل مع هذا الحزب اليمني. كما يأتي التقارب السعودي مع حزب الإصلاح قبيل زيارة متوقعة من قبل حماس إلى الرياض، الأمر الذي لا يرضي القاهرة.
وفيما يتعلق بالاقتراح المقدم مؤخرا من السيسي للجامعة العربية حول إنشاء قوة عربية مشتركة، فعلى الرغم من الترحيب الحالي من الرياض، إلا أن حجم انعدام الثقة بين الدول العربية وحجم الخلافات الإستراتيجية بين بلدانها يطرح موضوع القوة المشتركة كمجرد تطلعات وأمنيات، حسب ما قال "فريدريك ويري" من معهد "كارنيجي". حتى أن إدارة هذه القوة العسكرية وتوجيه تحركاتها سيكون مصدر صراع كبير بين الدول العربية، خاصة مع وجود منافسة سعودية مصرية على زعامة وإدارة الوطن العربي، هذا إن كان هناك من أمل في تشكل هذه القوة أصلا.
أما دوليا، فإن العلاقات الآخذة في التحسن بين مصر وروسيا تعود لعوامل كثيرة أبرزها رغبة السيسي في تقديم نفسه كالزعيم السابق جمال عبد الناصر. وهنا يريد الرئيس المصري أن يظهر مستقلا عن الغرب ولكن في الواقع إن كلا من واشنطن وموسكو تدعمان السيسي وما يزعمه من حرب على الإرهاب وخصوصا في سيناء. الأمر الذي يثير غيظ السعودية، خاصة من ناحية تماهي مصر مع بعض المواقف الروسية، الطامعة بالهيمنة على السياسة المصرية.
وأما في سوريا، فالموقف السعودي المتشدد والمصر على رفض أي حل في سوريا مع وجود الرئيس الحالي بشار الأسد، وهي فعليا تقدم الدعم لكل من يساعد في القضاء على الحكم الحالي هناك، كالتعاون مع تركيا وأمريكا وتقديم كل ما يلزم من دعم مالي لإمداد الجماعات المقاتلة للنظام السوري، حتي الإرهابية منها، بالسلاح والعتاد اللازم. وفي الوقت الذي تستعر فيه الحرب الإقليمية بين السعودية وإيران يأتي الموقف المصري مخيبًا لآمال الحليف الخليجي، حيث أبدت القاهرة أكثر من مرة استعدادها لرعاية حوار “غير مشروط” بين الحكومة والمعارضة السورية، كما نقلت الصحف الدولية أنباءً عن اتفاق مصري عراقي حول حل للأزمة السورية عبر تعايش النظام مع المعارضة السلمية، وبعبارة أخرى يبدو هنا أن مصر تفضل بقاء الأسد على سيطرة الجماعات الإرهابية وتقف موقفا جديا ضد الإرهاب الذي وصل أراضيها أيضا.
علاوة على ذلك لا تغفل طهران الموقف المصري، فأشادت عبر مصادرها الدبلوماسية بدور مصر في مكافحة الإرهاب، وأبدت دعمها لاستقرار مصر ورغبتها في أن تؤدي مصر دورًا هامًا في القضايا الإقليمية، الأمر الذي يبرز وضعا جيدا بين الطرفين المصري والإيراني، فمصر لا تحمل نفس المخاوف التي تحملها السعودية تجاه إيران، ما يجعلها تتخذ مواقف مختلفة في اليمن وسوريا، وهذا ما يقلق السعوديين، ويصعد من حجم خلاف مصر مع السعودية المنتهجة لمنهج معاد تماما للسياسة الإيرانية.
ومؤخرا وجدت السعودية تقابلا في المصالح مع الإخوان المسلمين، الحزب المنحل والمحظور في مصر والمدعوم من قطر وتركيا، ليس فقط في اليمن مع حزب الإصلاح اليمني بل في سوريا وليبيا أيضا، ما يثير القلق الشديد لدى الحكومة المصرية من تمدد هذا التعاون السعودي الإخواني نحو الداخل المصري واستغلال الإخوان له لقلب واستعادة الحكم في مصر.
بالنتيجة تفترق مصر عن السعودية على مستويات عدة وأهمها أولويات السياسة الخارجية، والهوة مرشحة للاتساع بينهما بشكل كبير، إذ لا يتمحور الخلاف بشكل أساسي حول دعم الإخوان من عدمه كما هو السائد في التغطيات الإعلامية، بقدر ما يتعلق باتخاذ مصر مواقف غير متجانسة مع الأولويات السعودية في قضايا مصيرية، مدفوعة ربما بالرغبة في التحرر من قبضة الدعم الآتي من بعض دول مجلس التعاون، كما والمناورة لكسب الثقة والتعاون مع قوى إقليمية ودولية مختلفة في ظل التراجع المستمر للمحورية الأمريكية عالميا.