الوقت- إن التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع السويدي، بيتر هولكفيجست، حول تفضيل عدم دخول بلاده في تحالف مع حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتعزيز قدراتها العسكرية من تلقاء نفسها بدلا من ذلك، يعطي مؤشرات كثيرة عن المرحلة التي يمر بها "الناتو" من زعزعة في بنيته الأساسية وصولا إلى اقتصاره على إلقاء تصريحات وشعارات خالية من أي محتوى جدي.
وليس غريبا أن يصرح هولكفيجست، بأن أي دخول للناتو سيزيد التوترات في المنطقة، لأن الشواهد كثيرة حول هذا الموضوع ابتداءا من أفغانستان ومافعله الناتو في هذا البلد المنكوب منذ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فيه عسكريا، وحاولت واشنطن بعد أحداث 11 أيلول جر حلفائها في حلف الناتو إلى حروبها التي تذرعت بشنها من أجل مكافحة الإرهاب، ولكن الحلفاء الأوروبيون، باستثناء المملكة المتحدة وبعض دول أوروبا الشرقية مثل بولندا ورومانيا وجمهورية التشيك وألبانيا، رفضوا طلب أوباما حين طلب من الناتو زيادة التزاماته بالقوات في أفغانستان للمساعدة في محاربة طالبان.
من ناحية أخرى عارضت كل من فرنسا وألمانيا الحرب على العراق وانضم إلى صفيهما في حينها روسيا، وإذا تساءلنا ماذا قدم الناتو لكل من أفغانستان وليبيا ؟!.
قدم بلدان ممزقة ومنهارة اقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وفوضى عارمة وفلتان أمني قطع سبل الحياة في هذه الدول، وأكثر من ذلك نجد اليوم أن ليبيا تعيش صراعاً داخلياً عنيفاً يمكن أن يمزقها إلى عدة دويلات.
أزمة داخلية
يعاني حلف الناتو من أزمات داخلية تهدد كيانه ومن يراقب مجريات الأحداث بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي يجد أن هناك تغيرات كبيرة في استراتيجية الدول الأعضاء، خاصة فيما يخص موضوع "الانفاق الدفاعي" الذي زاد الخلاف وخلق جو من التوتر داخل الحلف، لاسيما بعد وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة ومطالبته الدول الأعضاء في حلف الناتو بزيادة مساهماتها وقدراتها.
أمر أخر غاية في الأهمية يتمثل بنقل مقرات حلف الناتو إلى مبنى جديد في بروكسل، وهذا كفيل بجعلنا نتأكد من وجود الخلاف بين الدول الأعضاء، وتحول الناتو إلى تحالف سياسي مع تراجع دوره العسكري وهذا ما أكدته المواضيع التي تم طرحها خلال اجتماع رؤساء دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" في 25 أيار الفائت والتي تركزت حول الإنفاق على الدفاع، ودور الحلف في مكافحة الإرهاب.
ماذا يجمع الحلفاء الآن؟!
لاشيء يجمع الدول الأعضاء في حلف الناتو هذه الأيام لأن المصالح المشتركة في السابق لم تعد مشتركة الآن، وكل دولة تبحث عن حماية شعبها وتوفير الأمن له، وهذا الأمر لا يستطيع الناتو تحقيقه خلافا للعبارة القائلة بأن "الهجوم على أي دولة في حلف الناتو يمثل هجوما على جميع الدول الأعضاء"، وهذا الأمر يصعب تحقيقه للإعتبارات التالية:
أولاً: أعضاء حلف الناتو لم يعودوا يتقاسمون مصلحة مشتركة كما كانوا من قبل، لأن الحلف نشأ خلال الحرب الباردة بهدف حماية أوروبا الغربية من التهديد السوفييتي حينها، ولكن الأمر الآن اختلف كثيرا عن ذلك العصر، لأن أغلب دول الناتو لا تريد أن ينشأ أي خلاف بينها وبين روسيا خاصة بعد تعاظم الدور الروسي في العالم واستحالة هذا الحلف أن يقف في وجه روسيا اليوم وهذا ما شاهدناه عندما قام جيش الدبابات الروسية رقم (1) بإجراء تدريبات على الحدود مع بولندا، وما قام به الروس حينها جعل حلف الناتو يواجه معضلة كبيرة لأن أمامه مهمتين: الأولى تتمثل بتعزيز العسكريين في بلدان البلطيق "جمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة"، أما الثانية فهي الدفاع عن بولندا وهذا ما يعجز الحلف عن تحقيقه.
ثانياً: شهدنا خلال الأشهر الماضية عدة عمليات إرهابية هزت مدن وعواصم أوربية ولم يستطيع الناتو القيام بأي شيء حيال هذا الأمر، وذلك لأن قوات الناتو محدودة الحركة ولا يسمح لهم بالذهاب إلى ما هو أبعد مما هو محدد لهم، يضاف إلى ذلك أنهم يحملون أسلحة محدودة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا رأت قوات الناتو تهديداً خارج منطقتهم، عليهم استدعاء قوات الأمن المحلية. وما يجعل الأمور أسوأ، أن هناك أيضاً تعاوناً محدوداً وتبادلاً استخباراتياً بين القوات العسكرية وقوى الأمن الداخلي في بلجيكا وعدة دول أخرى، حيث لا تتشارك دول الناتو أي معلومات على مستوى الأمن الداخلي.
ومن هنا نستنتج أن حلف الناتو لايستطيع حماية أي مدينة أوربية أو الدفاع عنها بالمعنى الحقيقي للكلمة وبالتالي فإن مهمته تقتصر على الدعوة إلى اجتماعات طارئة والخروج بتصريحات تطالب بتعزيز الأمن للدول الأعضاء ومحاربة الإرهاب، إذا أصبح ينطبق على حلف الناتو المثل الشعبي الشهير" أسمع جعجعة ولا أرى طحنا".