الوقت- لم تحزم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمرها حيال نشر نتائج تقرير يكشف التمويل الخارجي للمتطرفين في المملكة المتحدة بشكل علني.
ورغم مرور سنة كاملة على استلامها لهذا التقرير (يوليو/تموز ٢٠١٦) ، والكثير من المطالبات السياسية والبرلمانية، إلا أن التقرير لا يزال في أدراج ماي التي نالت حكومتها الثقة مؤخراً بأغلبية ضعيفة.
أصابع الاتهام تتّجه نحو دولة خليجية، إلا أنّ التوجه البريطاني نحو دول الخليج الفارسي كخيار أساسي ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، يحول دون نشر "الفضيحة".
مطالبات بالجملة
ورغم أنّ عملية المراجعة كانت بتكليف من رئيس الوزراء السابق،ديفيد كاميرون، إلا أن ماي لم تنسَ بالتأكيد تقرير تحقيقات وزارة الداخلية لعدم نشره، كما أنه لم يضع بين أوراق الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل هناك إصرار على إخفاء محتواه، وربّما تعديله في حال استطاعت العجوز ماي ذلك.
أطراف بريطانيّة عدّة طالبت ماي بنشر تحقيقات تمويل التطرف الإسلامي في المملكة المتحدة، ففي حين وجدت النائب في حزب الخضر، كارولين لوكاس "علامات استفهام" حول ما إذا كان قرار نشر التقرير يتأثر بعلاقاتنا الدبلوماسية في إشارة إلى السعوديّة، قال زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، تيم فارون، إن كاميرون التزم بنشر التقرير بحلول ربيع عام 2016، بيد أن وزارة الداخلية أشارت في وقت لاحق إلى أنه لن يتم نشره، واصفةً محتويات التقرير بأنها "حساسة للغاية". ليأتي هذا الكلام بعد مطالبات سابقة من زعيم حزب العمل جيريمي كوربين والوزير الأول في اسكتلندانيكولا ستورجون بنشر التقرير.
لوكاس التي قدّمت سؤالها البرلماني حول مصير عملية المراجعة، إلى تيريزا ماي، ردت الاخيرة على السؤال لتؤكد أن الوزراء ما زالوا "يتشاورون حول ما يمكن نشره، وسوف يقدمون تقريراً إلى البرلمان مع تحديث في الوقت المناسب"، لتعود لوكاس بالردّ: "إنه من الضروري معرفة ما إذا كان تأخير نشر التقرير مرتبطاً باحتمال انتقاده للسعودية".
إذاً، هناك جملة من النقاط لا بدّ من الإشارة إليها فيما يخص الغموض الذي يلف هذا الموضوع، أبرزها:
أولاً: هناك من يتحدث عن أسباب دبلوماسيّة تحول دون نشر التقرير، إلا أن هذا التأخير سيحمل نتائج كارثيّة على رئيسة الحكومة البريطانية التي ستتحمّل مسؤولية أي عمل إرهابي. ليس ذلك فحسب، بل إن الكثير من الأطراف البريطانيّة ستحمّل ماي مسؤوليات العمليات الإرهابية السابقة التي أودت بحياة العشرات من البريطانيين، آخرها مانشستر وجسر لندن، فمن يتستر على الإرهاب، يعد إرهابياً، هذا ما ينصّ عليه القانون البريطاني الذي لم تحترمه ماي، كما يبدو.
ثانياً: إن تنصّل الداخلية من إبقاء هذه التقارير في الأدراج المغلقة، وتأكيدها في ردّها على اتهامات لوكاس بأن "رئيسة الوزراء مسؤولة شخصياً عن اتخاذ القرار فيما إذا كان سيتم نشر التقرير أم لا"، يشير إلى وجود قطبة مخفية خلف هذا التقرير. صحيفة الغارديان البريطانيّة اعتبرت أن زيارة ماي للسعوديّة في إحدى رحلاتها الأولى، بعد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي، في مارس/آذار الماضي، يعتبر خطوة رمزية لها دلالتها الكبيرة، لتضيف: من المرجح أن يغضب تقرير مصادر تمويل التطرف في بريطانيا السعودية، إذ إنه يضعها على قائمة الممولين للإرهاب"، وفق الصحيفة الريطانيّة. في حين اتهمت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، تيريزا ماي، بـ"دفن نتائج تقرير عن تمويل السعودية للإرهاب في المملكة المتحدة"، خشية من أن تضر بالعلاقات مع حليفها السعودي، مشيرة إلى أن خوف رئيسة الوزراء على مصالحها في الرياض دفعها لأن ترجئ إعلان نشر نتائج التقرير، وربما تبقى "مخفية إلى الأبد"، بسبب طبيعة النتائج التي توصلت إليها.
ثالثاً: إن هذا التقرير يعيد إلى الأذهان التقرير المتعلّق بأحداث ١١ سبتمبر ضد السعودية والذي منعته واشنطن من النشر لسنوات لينتج على أثره قانون جاستا. بعبارة أخرى، ربّما حصلت، تحصل، ماي على الأموال النفطية. مقابل إبقاء هذه التقارير في رهن الأدراج المغلقة، خاصّة أن أي اتهام جديد بدعم الإرهاب لن يصب في صالح السعودية. ربّما تعتقد ماي التي خرجت من الاتحاد الأوروبي وبانتظار أوضاع اقتصادية صعبها أنها ستؤدي دور مماثل لواشنطن في ابتزاز السعودية وسياسة ترامب " ادفع تسلم". هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن بريطانيا تعد من بين أكبر موردي الأسلحة والمعدات العسكرية للسعودية على مدى أكثر من أربعة عقود، بما في ذلك صفقة اليمامة التي بلغت قيمتها أكثر من أربعين مليار جنيه إسترليني.
رابعاً: فيما يخص السعودية، سيزيد محتوى هذا التقرير في حال اتهام السعودية من طينة الرياض بلّة. بل إنه سيحطّم صورة الرياض المهشّمة أساساً بعشرات التقارير التي تتهمها بدعم الإرهاب. هناك سعى سعودي في الآونة الأخير للتنصل من تهم الإرهاب عبر عناوين عدّة كتملّق ترامب ودفع الجزية وبروبغندا إعلامية ضخمة، إضافة إلى محاولة الظهور بهيئة المحارب للإرهاب عبر اتهام قطر بذلك والعمل على محاسبتها. ربّما تسعى قطر اليوم عبر آلتها الإعلامية ومؤسسات حقوقية مدعومة من قبلها للضغط بريطانياً بما يصب في خانة فضح هذه التقارير.
خامساً: إن هذا التستّر يؤكد زيف الدعاوى الغربية، وتحديداً البريطانيّة والأمريكية، في مكافحة الإرهاب، فالإرهاب ما يتعارض مع مصالحهم وحتى لو ثبت العكس. إن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون خارج المصالح السياسيّة والحكوميّة، وتحتاج إلى رؤية كاملة لا ترعي المصالح الفئويّة على حساب الأمن القومي العالمي. هذا المضموم جاء على لسان زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي، تيم فارون الذي قال: "كنا نعتقد أن أمننا سيكون أكثر أهمية، لكن الأمر ليس كذلك على ما يبدو. يجب على تيريزا ماي أن تخجل من نفسها".