الوقت- قرر الملك الاردني عبد الله الثاني إقالة وزير الداخلية حسين المجالي وإحالة كل من مدير الأمن العام الفريق أول الركن توفيق الطوالبة وقائد قوات الدرك اللواء الركن أحمد السويلميين على التقاعد بعد اتهامهم بالتقصير وسوء التنسيق في التعامل مع القضايا الامنية حسبما أعلن رئيس الوزراء عبد الله النسور.
وجاءت هذه الاجراءات اثر تصاعد التوتر الامني في مدينة "معان" جنوب البلاد التي يشتكي اهلها من استخدام القوة المفرطة من قبل رجال الامن في تعاملهم مع المطلوبين. وقبل عدة أيام شهدت هذه المدينة سرقة سيارة تابعة لجهاز المخابرات العامة وحرقها في الشارع العام، فيما تضاربت أنباء حول رفع مجهولين لعلم تنظيم "داعش" الارهابي على مقدمة السيارة.
وتفرض السلطات الاردنية تعتيما إعلامياً شاملاً على ما يتعلق بظهور مسلحين يعلنون الولاء للجماعات الارهابية في "معان" في حين يؤكد برلمانيون بأن الوضع الإجتماعي والأمني في هذه المدينة محتقن تماماً مع إستمرار المظاهر الأمنية والحواجز دون مبرر ما ينذر بمزيد من التوتر في الأيام القادمة.
في هذه الاثناء أكد مسؤول امريكي طلب عدم الكشف عن اسمه ان الجيش الامريكي بدأ تدريب جماعات مسلحة في الاردن، مشيراً الى ان التدريب سيشمل في وقت لاحق مواقع في تركيا والسعودية وقطر. وكانت الادارة الامريكية قد اشارت لدى اعلانها عن هذا البرنامج ان هدفها هو تدريب خمسة آلاف مسلح سنوياً فيما أكد مسؤولون في البيت الابيض موافقة الكونغرس على تخصيص ميزانية قيمتها 500 مليون دولار لتمويل هذا التدريب.
كما قامت قوات من البحرية الأمريكية بتدريبات عسكرية مشتركة مع ضباط أردنيين في مدينة "الزرقاء" خارج العاصمة عمان في إطار تدريبات ما يسمى "الأسد المتأهب" التي انطلقت في الخامس من الشهر الجاري بمشاركة 10 آلاف عسكري من 18 دولة وحلف الناتو وتجري هذه التدريبات في عدد من مراكز صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية التابعة للقوات المسلحة الأردنية.
ورداً على ذلك اكدت العديد من الأحزاب الأردنية رفضها لقبول الحكومة تدريب الجماعات الإرهابية ومن بينها ما يسمى "المعارضة السورية المعتدلة" في داخل البلاد، مشددة على أن هذا القرار يدفع لمزيد من توريط الأردن بالحرب على سوريا ويتعارض مع المصلحة الوطنية التي تتطلب الحفاظ على علاقة الأخوة والجوار معها وتوفير أجواء الحوار بين مكونات الشعب السوري وعدم الدخول بأحلاف تستهدف الدولة الوطنية السورية.
من جانبه اكد الناطق باسم إئتلاف الأحزاب القومية واليسارية الأردنية سعيد ذياب في بيان، رفض الائتلاف لمشاركة الأردن بالعدوان على اليمن، مشدداً على انه كان المطلوب أن تساهم الحكومة الأردنية في البحث عن صيغة للحوار تجمع مكونات الشعب اليمني وصولاً إلى اتفاق سياسي يخرج اليمن من أزمته ويجنبه خطر العدوان والتقسيم.
ودق بيان إئتلاف الاحزاب الاردنية ناقوس الخطر من المشاريع التي تريد تفتيت المنطقة بأدوات عربية، معلناً رفضه لكل أشكال التدخل الأجنبي وسياسة الأحلاف التي تستهدف الدول الوطنية وإدانته كل أشكال التحشيد والتسليح الطائفي الذي يصب في خدمة التقسيم والتفتيت.
يأتي هذا في وقت حمّل أكثر من 80 شخصية أردنية من مختلف الرموز الوطنية والأطياف السياسية والعشائرية، النظام والحكومات المتعاقبة المسؤولية المباشرة عن الأوضاع المزرية للشعب الأردني والنهج السياسي الخاطئ الذي يعرض البلاد وأمنها ووجودها لأخطار متعددة.
ومن خلال ما تقدم يمكن الاستنتاج ان من أهم اسباب بروز ظاهرة الارهاب في الاردن هو السياسات الخاطئة التي تنتهجها السلطات في مختلف المجالات لاسيما الجانب الامني وفسحها المجال لدول اخرى في مقدمتها امريكا لتدريب ارهابيين على اراضيها. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن للحكومة الاردنية أن تعيد الامن والاستقرار الى ربوع البلاد وتمنع من انتشار العناصر الارهابية في أراضيها؟ وللاجابة عن هذا التساؤل لابد من القول بأن محاربة الارهاب لا يمكن أن تتم من خلال الاستعانة بالقوات الامريكية أو اي قوة أجنبية اخرى، بل لابد من تحصين الجبهة الداخلية والاعتماد على الكفاءات الوطنية لضبط الأمن، من خلال اتباع استراتيجية شاملة ومتكاملة تأخذ على عاتقها اصلاح الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد، لأن الملف الامني مرتبط مباشرة بهذه الاوضاع، ولابد من التخلص من الحواضن التي تأوي الارهابيين والتي تكثر عادة في المناطق المتوترة أمنياً خصوصا في الاوساط الفقيرة اجتماعياً بسبب العوز المادي، اضافة الى الجهل الذي يوفر بيئة مناسبة لانتشار العناصر الارهابية ويجند العناصر الفاسدة والمتخلفة ثقافياً للقيام بعمليات ارهابية.
والأهم من ذلك هو أن تلتفت السلطات الاردنية الى خطورة الدخول في تحالفات دولية مشبوهة بحجة محاربة الارهاب والسعي لبناء علاقات متوازنة وبنّاءة مع مختلف الدول لاسيما مع دول الجوار ومنع اي طرف من الاستفادة من الاراضي والامكانات الاردنية لتجنيد وتدريب وتسليح العناصر الارهابية وارسالها الى الدول المجاورة وفي مقدمتها سوريا والعراق، لأن الارهاب لن يكتفي بقتل شعب دون شعب وتدمير بلد دون آخر، بل سيزحف على جميع دول المنطقة ويبدأ بنخرها وتمزيقها حتى القضاء عليها خدمة للمشروع الصهيوامريكي الذي يستهدف السيطرة على المنطقة ونهب خيراتها والتحكم بمصيرها. فعلى الحكومة الاردنية الانتباه لهذا الخطر والحذر منه والعمل بجد على تلافيه قبل حلول الكارثة وقبل فوات الآوان، حين لا ينفع الندم.