الوقت - دأب الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" خلال حملته الانتخابية وبعد تسلمه مهام عمله مطلع العام الجاري على انتقاد سياسة سلفه "باراك أوباما" على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وكان الكثير من المراقبين يعتقدون بأن ترامب سيتخذ إجراءات مغايرة لإجراءات سلفه في الميدان الدولي، خصوصاً وأن ترامب كان قد أطلق شعارات من بينها "أمريكا أولاً" و"كل شيء من أجل أمريكا" وغيرها.
وللبرهنة على أن سياسة ترامب الخارجية تختلف عن سياسة أوباما يمكن الإشارة إلى ما يلي:
الاتفاق النووي مع إيران
أطلق ترامب شعارات هدد فيها بتمزيق أو تغيير بعض بنود الاتفاق النووي المبرم في تموز/يوليو 2015 بين إيران ومجموعة (5+1) التي تضم بالإضافة إلى أمريكا كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والذي دخل حيز التنفيذ في مطلع 2016، واصفاً إيّاه بأنه أسوأ اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها. واعتبر ترامب الاتفاق النووي بأنه يصب في صالح إيران إقليمياً ودولياً ولايخدم مصالح أمريكا، في حين كان أوباما يحرص على توقيع هذا الاتفاق لاعتقاده بأنه يعود بالنفع على بلاده وعلى المجتمع الدولي.
علاقات أمريكا مع كوبا
كانت العلاقات الأمريكية - الكوبية تشهد توتراً حاداً منذ عام 1961، وتمكن أوباما من تطبيع هذه العلاقات في زمن الرئيس الكوبي الحالي "راؤول کاسترو"، في حين أقدم ترامب على إلغاء اتفاق التطبيع من جانب واحد، الأمر الذي واجهته هافانا بإجراء مماثل.
حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط
سعى أوباما إلى عدم إثارة حلفاء بلاده في المنطقة خصوصاً خلال سنوات ما عرف بـ "الربيع العربي" على الرغم من اتخاذه إجراءات تبدو للوهلة الأولى بأنها مغايرة لهذا المنهج كما حصل مع نظام الرئيس المصري الأسبق "حسني مبارك" حيث دعاه إلى الاستجابة لمطالب الشعب المصري بذريعة الدفاع عن الديمقراطية في العالم العربي. ويعتقد المراقبون بأن السبب الحقيقي لهذا الإجراء هو محاولة احتواء الشارع العربي الناقم على سياسات أمريكا بسبب دعمها للكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين.
في مقابل ذلك سعى ترامب إلى الإبقاء على علاقات بلاده مع العديد من دول المنطقة لتحقيق مصالح اقتصادية كما حصل مع السعودية التي زارها مؤخراً وعقد معها صفقات ضخمة لبيع الأسلحة بمئات مليارات الدولارت. فترامب لا تهمه قناعات الشارع العربي بقدر ما تهمه مصالحه الاقتصادية في عموم المنطقة.
الديمقراطية وحقوق الإنسان
سعت إدارة أوباما إلى إظهار نفسها على أنها تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم لتحقيق مصالح استراتيجية كما حصل مع السعودية التي تعرضت لانتقادات شديدة من جانب واشنطن إزاء انتهاكاتها لحقوق الإنسان ودعمها للجماعات الإرهابية من أجل إرغامها على دفع تعويضات لأهالي ضحايا العمليات الإرهابية خصوصاً التي استهدفت برجي التجارة بنيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 في إطار القانون الأمريكي المعروف اختصاراً باسم "جاستا".
وتسعى إدارة ترامب أيضاً لابتزاز السعودية ودول أخرى في المنطقة عن طريق إثارة موضوع دعمها للإرهاب لتحقيق غايات مشابهة لما كانت تسعى إليه إدارة أوباما إلاّ أن الاختلاف بين الاثنين يكمن في الطريقة التي يتم فيها الابتزاز، حيث يعتبر ترامب الديمقراطية وحقوق الإنسان مجرد وسيلة لتحقيق أهداف تكتيكية فيما كان يعتبرها أوباما وسيلة لتحقيق مقاصد استراتيجية. وظهر هذا الاختلاف بشكل واضح خلال زيارة ترامب إلى السعودية.
المعاهدات الدولية
سعى أوباما إلى الحفاظ على المعاهدات الدولية التي أبرمتها بلاده مع الدول الأخرى كمعاهدة باريس للمناخ، في حين سارع ترامب لإلغائها بدعوى أنها لا تصب في صالح الاقتصاد الأمريكي، وهذا يبين أن ترامب لا يهمه الالتزام بأي معاهدة دولية أو إقليمية طالما وقفت في طريق طموحاته الاقتصادية على عكس إدارة أوباما التي كانت مستعدة للإبقاء على هذه المعاهدات في سبيل تحقيق مصالح استراتيجية سياسية وأمنية.
في الختام لابدّ من التأكيد على أن جميع الرؤساء الأمريكيين بمن فيهم ترامب وأوباما يتحركون وفقاً لما تمليه المصالح الأمريكية حتى وإن كانت على حساب الدول الأخرى أو تتعارض مع الاتفاقيات الدولية، والاختلاف يكمن في طريقة تنفيذ هذه السياسة وما تتطلبه المرحلة من إجراءات تتراوح بين التشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان تارة وبين التهديد العسكري والتنصل عن الالتزام بأي تعهد قانوني تارة أخرى كما يفعل ترامب حيال الاتفاق النووي مع إيران الذي حظي بتأييد مجلس الأمن الدولي بعد أن وقعته خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا في إطار المجموعة السداسية الدولية.