الوقت- كثيراً ما تردد اسم حاملة المروحيات الفرنسية ميسترال على وسائل الإعلام، فما هي قضية حاملة المروحيات هذه؟ ولماذا تريد روسيا شراءها؟ ولماذا امتنعت فرنسا عن تنفيذ العقد المبرم بينها وبين روسيا؟
رضخت فرنسا بالنهاية للضغوط الغربية والأمريكية لكي تقوم بإلغاء العقد الموقع بينها وبين روسيا، والذي يقضي بتسليم حاملتي مروحيات من نوع ميسترال إلى روسيا. هذا العقد الذي تجاوزت قيمته المليار دولار يعتبر صفقة التسليح الأكبر التي تقوم بها بلد عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" مع قصر الرئاسة الروسي "الكرملين".
وكانت شركة "روس أوبورون إكسبورت" الروسية وشركة "DCNS" الفرنسية قد وقعتا اتفاقية بناء حاملتي المروحيات ميسترال في يونيو/ حزيران عام 2011، وكان من المفروض بموجب العقد أن تستلم روسيا حاملة المرحيات الأولى في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأن تستلم الحاملة الثانية هذا العام، ولكن فرنسا اضطرت إلى الاستجابة للضغوط الخارجية من أجل إلغاء العقد بينها وبين روسيا، وجاء هذا الإلغاء على خلفية الموقف الروسي من الأزمة الأوكرانية، حيث أشار عدة مسؤولون فرنسيون العام الماضي إلى إمكانية إلغاء العقد الموقع مع روسيا إذا استمر الوضع في أوكرانيا على ما هو عليه، وكان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان قد قال في مقابلة تلفزيونية العام الماضي :"إنه ربما لن تتم عملية التسليم أبداً إذا لم يتغير الوضع في أوكرانيا...يجب على الروس إدراك ذلك".
آخر التطورات:
اقترحت باريس يوم الجمعة الماضي إعادة 785 مليون يورو مقابل إلغاء العقد الموقع بينها وبين موسكو فيما طالبت موسكو بأكثر من مليار يورو.
وأشارت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في عددها الصادر يوم الجمعة 15 مايو/ أيار عن مصادر عسكرية روسية أن باريس تشترط تسلمها من موسكو ترخيصاً مكتوباً يسمح ببيع حاملتي المروحيات لجهة ثالثة دون أية تحفظات مقابل إعادتها للمبلغ المذكور. وأضافت الصحيفة الروسية أن موسكو لا توافق على هذا العرض الفرنسي، إذ أن الجانب الروسي يقيّم نفقاته وخسائره بسبب إلغاء الصفقة مع باريس بما يقارب 1,163 مليار يورو، وقبل الحصول على المبلغ المذكورفإن موسكو لا تعتزم إعطاء أي ترخيص لإعادة تصدير حاملتي المروحيات.
يذكر أن روسيا تطالب بتعويضات فرنسية جراء إلغاء صفقة حاملتي المرحيات ميسترال تشمل الأموال التي صرفت على تدريب الطواقم وإنشاء البنى التحتية الخاصة بهاتين الحاملتين، وكذلك الأعمال الخاصة بإنتاج مروحيات من نوع "كا-52ك" خصوصاً لحاملتي المروحيات "ميسترال".
وكان الرئيسان الفرنسي فرانسوا هولاند والروسي فلاديمير بوتين قد بحثا قضية حاملتي المروحيات خلال اللقاء الذي جمعهما على هامش مراسم إحياء الذكرى السنوية المئة لإبادة الأرمن في أرمينيا، واتفق الجانبان آنذاك على أن باريس ستعيد إلى روسيا ثمن السفينتين في حال رفض تسليمهما لموسكو، على مبدأ "إما البضائع وإما المال".
لماذا تحتاج روسيا حاملات المروحيات هذه؟
يأتي الاهتمام الروسي بحاملة المروحيات ميسترال في إطار التوجه الروسي نحو تعزيز قدراتها العسكرية، بعد سنوات من الإهمال. فمعظم حاملات الطائرات الروسية والتي تعود إلى العهد السوفياتي قد أخرجت من الخدمة، الأمر الذي جعل روسيا تمتلك حالياً حاملة طائرات واحدة لا غير هي "الأميرال كوزنستوف" ثاني أكبر حاملة طائرات في العالم، في حين تمتلك أمريكا 10 حاملات طائرات، وباقي أعضاء حلف شمال الأطلسي يمتلكون 6 حاملات. ولهذا قامت روسيا صيف العام 2011 بتوقيع عقد شراء حاملتي المروحيات ميسترال لتضيفهما إلى أسطولها البحري.
وتعتبر تكنولوجيا القيادة والسيطرة أهم ما يميز الميسترال الفرنسية. فالميسترال تمتلك مواصفات فنية وتكتيكية فريدة وهي مجهزة بنظام (SENIT) الفرنسي الذي يتلقى معلومات من أنظمة استشعار مختلفة كالرادارات والأقمار الصناعية ويقوم بدمجها في نظام موحد لإدارة العمليات العسكرية، الشيء الذي يرشح هذه الحاملة لتكون سفينة قيادة وغرفة عمليات للأساطيل الروسية.
كما أن امتلاك روسيا لهذه الحاملات يعطيها الفرصة لإنشاء أحواض سفن جديدة واستخدام تقنيات بناء السفن الحديثة، وذلك لتعزيز صناعة السفن الروسية وإدخالها إلى العصر الحديث حيث خسرت روسيا بسقوط الاتحاد السوفياتي أهم ورش بناء السفن التي كانت في أوكرانيا، وما تمتلكه روسيا اليوم يختص ببناء الغواصات معتمدة على تقنيات قديمة تفتقر للتكنولوجيا الحديثة.
وتشير تقارير روسية صدرت عام 2009 أنه إذا ما استمر الوضع على حاله فإنه لن يتبقی لروسيا أكثر من 50 قطعة بحرية في الخدمة في عام 2020، الأمر الذي يهدد القوى العسكرية الروسية خصوصاً البحرية منها، ويعطي الخصم الأمريكي ورقة رابحة وتفوقاً استراتيجياً ضخماً، مما ينعكس سلباً على دور روسيا الدولي وقدرتها على التأثير السياسي في مختلف دول العالم.
ما هو مصير حاملتي المروحيات ميسترال؟
حالياً لا تستطيع فرنسا التصرف بحاملتي المروحيات المصنعة لروسيا، وفرنسا بحاجة لموافقة روسيا لكي تتمكن من إعادة بيعها لطرف ثالث، وأما إذا ما قررت فرنسا ضم هاتين الحاملتين إلى قواتها البحرية فإن هذا الأمر من شأنه أن يتسبب بضربة كبيرة للقوى البحرية الفرنسية، وفي هذا الإطار نقلت صحيفة موند الفرنسية في عددها الصادر يوم أمس عن الأدميرال برنار روجيل، رئيس أركان البحرية الفرنسية، قوله "إذا سئلت القوات البحرية الفرنسية عما إذا كانت في حاجة هاتين البارجتين فسوف يكون الرد لا".
ونقلت صحيفة "أوبينيون" خشية القوات البحرية الفرنسية أن تقرر قيادة البلاد تسليم سفينتي الـ"ميسترال" المصنوعتين من أجل روسيا إليها، وذكر الخبير العسكري الفرنسي جان دومينيك ميرشيه: "أن القوات البحرية الفرنسية تملك ثلاث سفن من طراز "ميسترال" ولا يعوزها المزيد" وأضاف ميرشيه: "أن القوات البحرية الفرنسية تملك موارد مالية محدودة. ومن ثم فإن تمليكها سفينتين أخريين من طراز "ميسترال" قد يجعلها عاجزة عن الاحتفاظ بفرقاطاتها الـ 15 ويجبرها على بيع بعضها إلى بلدان أجنبية."