الوقت - احتضنت مؤسسة “أنديشه سازان نور” للدراسات الاستراتيجية ملتقى إعلامياً تناول آفاق العراق السياسية في أعقاب المعترك الانتخابي. وفي هذا الاجتماع، تصدى الدکتور “سعد الله زارعي”، الخبير البارز في الشؤون الإقليمية ومدير معهد “أنديشه سازان نور”، لشرح المستجدات العراقية وسبر أغوارها في ضوء الاستحقاق الانتخابي الذي أسفر عن تحولات جذرية.
استهلّ الدکتور زارعي حديثه بإضاءات كاشفة حول نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية قائلاً: “شهدت ربوع العراق في الأسبوع المنصرم سادس استحقاق برلماني منذ تهاوي صرح نظام صدام، وبعد توالي دورات انتخابية اكتست بثوب العزوف الشعبي المتنامي، شهدنا في هذه الآونة صحوة مشاركة تجاوزت نظيرتها السابقة بنسبة 15 بالمئة، ومن المرتقب أن تلقي هذه الظاهرة العراقية بظلالها على المناخ الانتخابي في أرجاء المنطقة، وستغدو نبراساً يضيء درب المشاركة الشعبية في البلدان المجاورة”.
وأماط الدکتور زارعي اللثام عن حقيقة أن الاستحقاق البرلماني العراقي جرى وفصائل المقاومة تخوض غمار صراع محتدم في مواجهة الوجود الأمريكي، حيث اشتعل أوار المنازلة بين جبهتين متناحرتين، فمنذ انبثاق “طوفان الأقصى” في أکتوبر 2023، شهدنا هذا التوتر المتصاعد على امتداد جبهة المقاومة في مواجهة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
وتجسّد الانتخابات العراقية مرآةً صادقةً للنسيج الاجتماعي في العراق، وبالتالي تتبوأ مكانةً بارزةً في تقييم المواجهة التي امتدت عامين بين معسكري المقاومة وخصومها، وأظهرت الانتخابات العراقية بتنامي إقبال الناخبين، أن أبناء العراق لم تخبُ في قلوبهم جذوة الأمل في غدٍ مشرق رغم سياط الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية، وخلافاً لأوهام الساسة الأمريكيين الذين راهنوا على خمود المنطقة وركودها، فقد أضحت أكثر توهجاً واشتعالاً، وهذا يبرهن على استشعار الجماهير لضرورة التصدي للمخاطر المحدقة، فضلاً عن يقينهم بامتلاك مقومات الانتصار على تحديات الراهن.
وأضاف الخبير في شؤون غرب آسيا قائلاً: “تربعت المقاومة في الاستحقاق البرلماني العراقي الأخير على عرش المشهد، متفوقةً على التيارات الإقليمية والدولية، إذ قفز عدد مقاعدها من 30 مقعداً في البرلمان المنصرم إلى ما يناهز 90 مقعداً في المجلس المرتقب، وقد اعتلت عصائب أهل الحق، ذلك الضلع البارز في المقاومة بقيادة الشيخ قيس الخزعلي، ذروة المشهد كتحالف طليعي في المعترك الانتخابي بحصدها النصيب الأوفر من المقاعد، كما ظفرت عصائب أهل الحق منفردةً بـ27 مقعداً، بينما كان رصيدها في المجلس السابق 18 مقعداً فحسب”.
وأشار رئيس معهد "أنديشه سازان نور" إلى ارتقاء مكانة التيارات النهضوية والجهادية الأخرى مثل منظمة بدر في هذا الاستحقاق، قائلاً: “اقتطفت منظمة بدر من ثمار هذه الانتخابات 20 مقعداً، وفي قائمة السوداني التي تكللت بفوز 47 مرشحاً، تألقت قرابة 30 شخصية من صفوة المقاومة والجهاد، كما تتصدر رموز المقاومة قائمة السيد المالكي، ولعل كتلة المقاومة ستتبوأ الصدارة في المشهد البرلماني العراقي القادم”.
واستطرد الدکتور زارعي: “جرت وقائع الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة في أجواء يسودها الهدوء، وهذا الهدوء والاستقرار الأمني يعكس نضج أبناء العراق وازدهار الديمقراطية في بلادهم، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: في أي من الدول العربية المنضوية تحت العباءة الأمريكية تُقام انتخابات حقيقية؟ وفي أي بلد من بلدان المنطقة المتحالفة مع أمريكا تجري استحقاقات انتخابية تكتنفها أجواء الهدوء والأمان؟ لقد خاضت الأحزاب المتباينة غمار هذه الانتخابات بتكافؤ وعدالة، ولم تُفرض سوى ثلاثة قيود على المشاركة، وهي: التثبت من صحة الوثائق، والتبرؤ من حزب البعث، والانسلاخ عن الأنظمة العنصرية كالكيان الصهيوني الغاصب”.
ونبّه خبير الشؤون الإقليمية إلى أن الاستحقاق العراقي الأخير برهن على أن المال الأجنبي مهما تكاثر لا يقوى على شراء الضمائر. فالتقارير تكشف أن الأمريكيين بذلوا ملياري دولار، كما أن مناورات ترامب السياسية، بما فيها إيفاد مبعوث إلى بغداد لترهيب الفصائل العراقية، تلاشت كسراب، إذ وجّه مبعوث ترامب ثلاث رسائل تحذيرية على الأقل إلى الجماعات العراقية في الأسابيع الأخيرة، لكن ثمار الانتخابات جاءت مناقضةً تماماً لما تشتهيه سفن واشنطن. وقد كشفت انتخابات العراق عن مستقبل التحولات في المنطقة، وأثبتت أن موقع أنصار المقاومة في أرجاء المنطقة، بما فيها اليمن ولبنان وسواهما، يسير على ذات النهج المشرف.
وختم قائلاً: كانت هذه الانتخابات بمثابة ميزان قوة بين مؤيدي المقاومة وأمريكا في المنطقة، وقد حسمت كفته لصالح فصائل المقاومة، رغم أننا سنواجه بعد هذا الاستحقاق تحديات جسام، وستحاول أمريكا بلوغ مآربها عبر تعزيز ترسانتها العسكرية في العراق، بيد أنها لن تفلح في الوقوف أمام إرادة أبناء هذا البلد.
