الوقت- بينما لم تسمح له إدارة ترامب بالتواجد في نيويورك، أكد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بحماس شديد التزامه بإنشاء دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" تمامًا في خطابه عبر الفيديو في الأمم المتحدة.
وكأنه يتولى دور المدافع الرئيسي عن المصالح الإسرائيلية، دعا فصائل المقاومة الفلسطينية إلى إلقاء سلاحها - كل ذلك في الوقت الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، ويستمر بناء المستوطنات بلا هوادة، وتُبتلع أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية واحدة تلو الأخرى.
عباس، الذي يبدو أنه أكثر قلقًا من نتنياهو وحلفائه بشأن تسليح الفلسطينيين، صرخ قائلًا إن نزع السلاح هو السبيل الوحيد للخروج، وكأنه نسي أنه بدون سلاح، سيصبح الفلسطينيون خرافًا عُزّلًا في مواجهة ذئاب الاحتلال. برأيه، المقاومة المسلحة هي التهديد الأكبر لفلسطين، وليس الاحتلال المستمر منذ 75 عامًا!
قبل محمود عباس، تحدث العديد من القادة الأوروبيين، بمن فيهم إيمانويل ماكرون، عن ضرورة "فلسطين منزوعة السلاح".
"احمونا"
بعد حديثه عن نزع سلاح فلسطين، هتف محمود عباس "احمونا"، قال بنبرة متوسلة لاقت انتقادات شديدة من المستخدمين الفلسطينيين: "الفلسطينيون بشر ويستحقون الحماية"، لكنه نسي أن يقول إنه بدون سلاح، يجب أن تأتي هذه الحماية إما من "إسرائيل"! أو من الدول الغربية، وهي المورد الرئيسي للأسلحة لهذا الكيان.
دول فقدت أسلحتها
ليس من النادر تاريخيًا أن تتخلى الدول عن أسلحتها، لكن يبدو أن عباس استخدم هذه الأمثلة كذريعة لتبرير الاستسلام الكامل لفلسطين، دون الالتفات إلى الاختلافات الصارخة، فقدت دول كثيرة في العالم أسلحتها في الحروب أو تخلت عنها لأسباب أخرى، بينما تعهدت دول أكبر بحمايتها والدفاع عنها، لكن في حالة فلسطين، يُصرّ عباس على الاستسلام الكامل، أكثر حتى من حلفاء الحرب العالمية الثانية.
ألمانيا: هزيمة في الحرب، لا استسلام طوعي
بعد هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥، فرض الحلفاء نزع سلاح كامل على البلاد وقسموا ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال، تم حل الجيش الألماني (الفيرماخت) الذي كان قوامه يتراوح بين ١٣ و٢٠ مليون جندي، وبقي من دون قوات مسلحة حتى عام ١٩٥٥، لكن عباس، الذي يبدو أكثر صرامة من الحلفاء، يريد من فلسطين أن تُلقي سلاحها طواعيةً دون خسارة الحرب - وذلك في مواجهة احتلال لا يزال قائمًا!
اليابان: استسلام غير مشروط، ولكن بدعم أمريكي
بعد استسلام اليابان غير المشروط عام ١٩٤٥، تم حل الجيش الإمبراطوري، ومنع الدستور الياباني الجديد اليابان من الاحتفاظ بقوات مسلحة، لكن الولايات المتحدة غيّرت سياستها لاحقًا ودعمت اليابان، عباس، الأكثر كاثوليكية من البابا، يدعو إلى نزع سلاح فلسطين حتى من دون هذا الدعم، كما لو أن "إسرائيل" ستلعب دور أمريكا!
دول المحور: قيود مفروضة بعد الهزيمة
فرضت معاهدات باريس للسلام عام ١٩٤٧ قيودًا عسكرية على إيطاليا والمجر ورومانيا وبلغاريا، لكن هذه القيود كانت بعد الهزيمة في الحرب، وليس في خضم الاحتلال كما في فلسطين، يبدو أن عباس نسي أن فلسطين لا تزال في حالة حرب!
كوستاريكا: خيار طوعي في السلام
بعد حرب أهلية قصيرة عام ١٩٤٨، حلت كوستاريكا جيشها طواعيةً وخصصت أموالًا للتعليم والصحة.
دول تحت حماية الآخرين - ولكن ماذا عن فلسطين؟
دولٌ أصغر مثل أندورا (التابعة لفرنسا وإسبانيا)، وليختنشتاين (التابعة لسويسرا)، وجزر مارشال (التابعة للولايات المتحدة)، وناورو (التابعة لأستراليا)، وساموا (التابعة لنيوزيلندا)، والفاتيكان (التابعة لإيطاليا)، ودول الكاريبي مثل دومينيكا وغرينادا، لا تملك جيوشًا وتعتمد على الآخرين. لكنها تعيش في سلامٍ ودون تهديد الاحتلال. يبدو أن عباس، بإصراره على نزع السلاح، يريد جرّ فلسطين إلى هذا الوضع، دون أي ضماناتٍ للحماية - وهو يصرخ بهذه الفكرة بصوتٍ أعلى من إسرائيل!
محمود عباس، داعيةٌ لنزع السلاح أم للاستسلام؟
الوضع الراهن في فلسطين لا يُقارن بأيٍّ مما سبق، فلسطين ليست دولةً مهزومةً في حربٍ بين جيشين نظاميين يُلقيان سلاحهما، وليست دولةً مستقلةً ومزدهرةً تُسلم أمنها لدولةٍ صديقة، بل هي دولةٌ مُحتلةٌ تفقد جزءًا من أرضها وشعبها كل يوم، في هذه الأثناء، يدعو عباس، بصلاحيات محدودة، إلى ما يُسمى "حلاً سلمياً"، لكنه يُصرّ على نزع السلاح، وهو إصرار لا يملكه حتى أعداء فلسطين، أما فصائل المقاومة، فتعتقد أن إلقاء السلاح في وجه استمرار الاحتلال انتحار، ويبدو أن محمود عباس يعتبر هذا الانتحار أفضل مخرج!