الوقت- في خطابه الأخير، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صورةً عن العسكرة والاكتفاء الذاتي ومقاومة تل أبيب للضغوط الدولية، وهو ما يعتقد المحللون أنه لم يُثر مخاوف جدية داخل الأراضي المحتلة وخارجها فحسب، بل يُشير أيضًا إلى دخول الكيان في مرحلة جديدة من العزلة والمواجهة الحادة مع العالم، ووفقًا لبعض المصادر الاخبارية، قدّمت روث مارغاليت تحليلًا لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة في مجلة نيويوركر، وحللت مستقبل الكيان الإسرائيلي.
وفي مؤتمر اقتصادي عُقد في القدس، قبل بدء الهجوم البري على وسط غزة، تحدّث بنيامين نتنياهو بلهجة تحذيرية، مستندًا إلى الاستعارة التاريخية "أثينا وإسبرطة"، وقال إن "إسرائيل" يجب أن تُصبح "إسبرطة عظمى" لمقاومة الضغوط العالمية، وعزا نتنياهو الأزمات الحالية ليس فقط إلى حرب غزة، بل إلى عاملين آخرين، قائلاً: أولاً، الهجرة الجماعية للمسلمين إلى أوروبا الغربية، والتي يراها تهديدًا لمصالح "إسرائيل"، وثانيًا، الثورة الرقمية التي دفعت دولًا مختلفة إلى الاستثمار في وسائل التواصل الاجتماعي "بأجندة معادية لإسرائيل".
وفي إشارة إلى العزلة والقيود الدولية، تحدث نتنياهو عن حاجة الكيان إلى الاكتفاء الذاتي اقتصاديًا وعسكريًا، وشدد على ضرورة إنشاء صناعة أسلحة قوية ومرنة، وحذر ضمنيًا من أن الاقتصاد الإسرائيلي قد يتعرض لضغوط من العقوبات والقيود الدولية، ما قد يُجبره على التحول نحو استراتيجية "مكتفية ذاتيًا ومنغلقة".
ووفقًا لمجلة نيويوركر، أثار هذا الموقف ردود فعل قوية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وشهدت بورصة تل أبيب انخفاضًا، ووصف قادة المعارضة، بمن فيهم يائير لابيد، كلماته بأنها "جنونية"، كما حذر مجتمع الأعمال في الكيان من أن سياسات الحكومة تقود "إسرائيل" إلى "هاوية سياسية واقتصادية واجتماعية"، انتقد محللون وصحفيون أيضًا استعارة نتنياهو، ووصفوها بأنها غير صحيحة تاريخيًا وسياسيًا.
جاء الخطاب في وقت تواجه فيه "إسرائيل" عزلة دولية خطيرة، بعد بدء حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت العديد من الدول حول العالم، بما في ذلك حلفاء تل أبيب التقليديون، عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفرض قيود أو حظر على مبيعات الأسلحة للكيان.
ووفقًا لتقرير تحليلي صادر عن هذه الوسيلة الإعلامية الأمريكية، ازداد الشعور بالإقصاء والعزلة في المجتمع الإسرائيلي، وتُقام العديد من الفعاليات الثقافية والعلمية والسياحية بمعاملة وتمييز مميزين ضد المواطنين الإسرائيليين.
ومن منظور عسكري، تسبب الهجوم البري الإسرائيلي على وسط غزة ودخول الدبابات في فرار عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى المناطق الجنوبية، بينما بقي مئات الآلاف في مدينة غزة، وتشير التقارير الواردة من مستشفى الشفاء إلى أن الوضع الإنساني في غزة حرج، حيث قُتل مئات الأشخاص خلال 24 ساعة، بينما تصف الحكومة ووزير دفاعها، يسرائيل كاتس، العملية بأنها وسيلة لتحرير الأسرى وهزيمة حماس، تشعر عائلات الأسرى بقلق بالغ إزاء تعريض حياتهم للخطر.
ووفقًا لمجلة نيويوركر، أثارت هذه السياسة العسكرية ردود فعل محلية ودولية واسعة، محليًا، انتقدت جهات في الجيش والمؤسسة الأمنية العملية في وسط غزة، وتُظهر استطلاعات الرأي أن 28% فقط من الإسرائيليين يؤيدون الاحتلال العسكري، بينما يعارضه 41%، ويعتقد العديد من المحللين، بمن فيهم ألون بينكاس، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، أن تشبيه نتنياهو بإسبرطة هو في الواقع دليل على الفشل، إذ يقود "إسرائيل" إلى عزلة سياسية واقتصادية، ويعكس صورة عسكرية ومعزولة عنها للعالم.
كما أشار نتنياهو في خطابه إلى نقطة مهمة حول القانون والحياة، قائلاً: "علينا أن نقرر أيهما أهم القانون أم الحياة"، وقد يمهد هذا التعليق الطريق لمستقبل مكتفٍ ذاتياً واستبدادي، حيث حاولت حكومته في السابق إقالة النائب العام الإسرائيلي وقدمت قانوناً يسمح له بفصل المسؤولين العسكريين متى شاء.