الوقت- تكشف الأحداث الأخيرة في غزة، وما نشرته صحيفة هآرتس العبرية، عن حقيقة المشروع الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو: تدمير غزة بالكامل وتحويلها إلى غنيمة استيطانية، لم يعد الأمر يتعلق بـ"محاربة حماس" كما يدّعي الاحتلال، بل بمخطط شامل يستهدف اقتلاع شعب بأكمله وطمس هويته الوطنية.
نتنياهو، الغارق في أزماته السياسية والقضائية، وجد في العدوان على غزة فرصة لتصدير أزماته الداخلية عبر إشعال حرب شاملة، بينما ينفّذ وزراؤه الأكثر تطرفاً – بن غفير وسموتريتش – أجندة تقوم على الإبادة والتطهير العرقي. إنّ ما يحدث ليس صراعاً عسكرياً عادياً، بل محاولة إعادة إنتاج نكبة 1948 بمشهد أكثر دموية وتدميراً، وفي ظل الصمت الدولي والدعم الغربي، يجد الكيان الصهيوني نفسه مندفعاً نحو مغامرة كارثية قد تغيّر موازين الصراع وتفتح فصلاً جديداً من المواجهة المصيرية مع غزة.
الأهداف الحقيقية خلف ستار "الأمن"
يروج قادة الكيان الصهيوني لخطاب أمني فارغ يقوم على شعار "القضاء على حماس" و"استعادة الردع"، لكن ما تكشفه الوقائع على الأرض يُظهر أهدافاً مختلفة تماماً، صحيفة هآرتس نفسها اعترفت أنّ الأوامر التي أصدرها نتنياهو للجيش تتعلق بـ تدمير غزة من أساسها، لا مجرد استهداف المقاومة، هذا ينسجم مع خطط معلنة لوزراء متطرفين يسعون لتحويل أراضي غزة إلى مشاريع عقارية ومستوطنات جديدة لصالح ضباط الكيان، ما يجري إذاً ليس حرباً أمنية، بل حرباً استعمارية تستهدف الأرض والإنسان.
الخطاب الأمني هنا ليس سوى غطاء لتسويق مشروع توسعي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي. الأدهى أنّ نتنياهو لا يكتفي بالصمت إزاء تصريحات وزرائه الداعية إلى "غزة بلا فلسطينيين"، بل يمنحها غطاء سياسياً، في إشارة واضحة إلى أنّ المشروع أكبر من مجرد عملية عسكرية، نحن أمام محاولة هندسة ديمغرافية جديدة تكرّر مشهد النكبة، لكن بوسائل أشد وحشية وعلنية.
غزة.. مقاومة تفضح العجز الصهيوني
رغم شراسة الهجمة الأخيرة، لم يتمكّن الكيان الصهيوني من كسر إرادة غزة، فالمقاومة لا تزال قادرة على القتال، والشعب متمسك بأرضه رغم التدمير والقتل الجماعي، هنا يكمن جوهر المأزق الصهيوني: فكلما زادت آلة الحرب بطشاً، ازداد إصرار الغزيّين على البقاء، الكيان الصهيوني يواجه اليوم معضلة وجودية، إذ إنّ قوة النار لا تكفي لإخماد روح المقاومة، بل على العكس، كل عدوان جديد يعمّق الشرخ بين الاحتلال وبين صورته أمام العالم، ويحوّل غزة إلى أيقونة عالمية للصمود.
إنّ محاولة اقتلاع أكثر من مليوني إنسان لن تمرّ بسهولة، لأنّ هؤلاء الغزيّين هم أبناء وأحفاد من نجوا من نكبة 1948، وهم يعرفون أنّ أي تهجير جديد يعني نهاية قضيتهم، ولذلك، فإنّ غزة لا تدافع فقط عن نفسها، بل عن المشروع الوطني الفلسطيني برمته، هذا الصمود يضع الكيان الصهيوني في مأزق استراتيجي، إذ يفضح فشل عقيدته العسكرية ويحوّل حلم التوسع إلى كابوس سياسي وأخلاقي.
الكيان الصهيوني في مواجهة القانون الدولي
إنّ ما يجري في غزة يتجاوز حدود الحرب التقليدية، ليصل إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، تدمير مدينة كاملة، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتهجير السكان قسراً، كلها أفعال تندرج تحت تعريف التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ورغم وضوح الجريمة، يواصل الكيان الصهيوني حربه بلا محاسبة، مدعوماً من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية، هذا التواطؤ يكشف عجز المنظومة الدولية وانهيار مصداقية المؤسسات الأممية التي تتغاضى عن أفظع الجرائم بينما ترفع شعارات حقوق الإنسان في أماكن أخرى، لكنّ هذه الحصانة لن تدوم إلى الأبد؛ إنّ أخطر ما يواجه الاحتلال ليس صواريخ المقاومة فقط، بل خسارته التدريجية لشرعيته على الساحة العالمية، ومع تراكم الأدلة والوثائق، يقترب يوم سيجد فيه قادة الاحتلال أنفسهم أمام محاكم دولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة.
التداعيات الاستراتيجية على مستقبل الصراع
مخطط الكيان الصهيوني لتدمير غزة يعكس عمق أزمته الداخلية والخارجية، داخلياً، يسعى نتنياهو للهروب من المحاكمات والاحتجاجات الشعبية عبر إشعال حرب مفتوحة، فيما يوظف وزراؤه المتطرفون خطاب الإبادة لكسب القاعدة اليمينية المتشددة، خارجياً، يحاول الاحتلال فرض واقع جديد يطيح بالمعادلة الفلسطينية ويؤسس لمشاريع استيطانية جديدة، غير أنّ النتائج قد تكون عكسية تماماً، فالمجازر الجماعية والتدمير الواسع يعمّقان عزلة الكيان الصهيوني دولياً، ويحوّلان القضية الفلسطينية إلى محور جديد يجمع شعوب المنطقة والعالم ضد الاحتلال، كما أنّ صمود غزة يبرهن أنّ المشروع الصهيوني، رغم قوته العسكرية، يفتقر إلى أفق استراتيجي طويل المدى، إنّ استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تسريع تآكل صورة الكيان في الغرب، وتعزيز شرعية المقاومة الفلسطينية كخيار وحيد أمام شعب يواجه الإبادة، بهذا المعنى، فإنّ معركة غزة ليست مجرد جولة عسكرية، بل محطة مفصلية قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة من الصراع الفلسطيني – الصهيوني.
صراع الإرادات بين المقاومة والمخطط الاستعماري
ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد مواجهة عسكرية غير متكافئة، بل هو صراع وجودي بين مشروعين متناقضين: مشروع استعماري صهيوني يسعى إلى اقتلاع شعب كامل، ومشروع مقاومة فلسطينية يصرّ على البقاء والتمسك بالأرض، الكيان الصهيوني يعتمد على منطق القوة الغاشمة، متوهماً أنّ الدمار الشامل سيكسر إرادة الغزيين ويدفعهم إلى الاستسلام أو النزوح الجماعي، لكنّ التجربة التاريخية أثبتت أنّ الفلسطينيين، كلما اشتد العدوان، ازدادوا تمسكاً بأرضهم وهويتهم.
في المقابل، المقاومة لا تعمل فقط كأداة ردع عسكرية، بل تمثل حاضنة معنوية وسياسية للشعب، وتعيد صياغة وعي الأجيال الجديدة بأنّ الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، هذا التناقض الجذري يجعل الصراع في غزة يتجاوز حدود المكان والزمان؛ فهو معركة تحدد مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وتضع الاحتلال أمام معضلة استراتيجية: إما أن يعترف بحق الفلسطينيين في الوجود، أو يظل غارقاً في دوامة عدوانية لن تنتهي إلا بانهياره.
في الختام،الأحداث الأخيرة تثبت أنّ الكيان الصهيوني لا يسعى إلى "الأمن"، بل إلى مشروع استعماري هدفه اقتلاع غزة وتحويلها إلى غنيمة استيطانية، غير أنّ هذا المشروع يواجه مقاومة شرسة من الشعب الفلسطيني الذي يرفض تكرار نكبة 1948، لقد تحولت غزة إلى رمز عالمي للصمود في وجه الإبادة، فيما تتكشف أمام العالم أبشع صور الاستعمار الحديث، ومع كل مجزرة يرتكبها الاحتلال، تتسع دائرة العزلة السياسية والأخلاقية حوله، ويزداد الاقتناع بأنّ الكيان الصهيوني يشكّل خطراً على الاستقرار الدولي، إنّ المعركة الدائرة اليوم ليست فقط معركة فلسطينية، بل معركة إنسانية وأخلاقية تكشف حدود الصمت الدولي ونفاق القوى الكبرى.، إنّ صمود غزة وإصرارها على البقاء يثبتان أنّ مشروع الاحتلال، مهما بلغ جبروته، محكوم عليه بالفشل والزوال.