الوقت – اختتم الأميرال براد كوبر، الذي تقلّد مؤخراً مقاليد القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، مع غروب شمس يوم السبت زيارته الباكورة للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ اعتلائه سدة هذا المنصب.
وأفصحت القيادة المركزية الأمريكية في بيان لها عن “التزامها الصارم بصون أمن "إسرائيل" وتعزيز الأمن الإقليمي”، وهي عبارة طالما رددتها واشنطن في مختلف المحافل، وقد تداول كوبر مع إيال زامير، رأس حربة الآلة العسكرية الصهيونية، في شؤون الأمن الإقليمي والتحالف العسكري بين واشنطن وتل أبيب.
وفي السياق ذاته، أصدر جيش الاحتلال الصهيوني بياناً أوضح فيه أن هذه الزيارة تمحورت حول “تعميق أواصر التعاون العملياتي بين الجيش الإسرائيلي ونظيره الأمريكي، وصون دعائم الاستقرار الإقليمي في الجبهات القريبة والبعيدة، وتكثيف المساعي المشتركة لمجابهة التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة”.
ونقلت صحيفة “هآرتس” الصهيونية أن كوبر، الذي تسنّم منصبه الجديد في الثامن من آب/أغسطس المنصرم، قد أجرى خلال هذه الزيارة تقويماً مشتركاً للأوضاع مع زامير، وتفقد بعض المستوطنات المحيطة بقطاع غزة.
بينما أفادت صحيفة “معاريف” الصهيونية بأن توقيت زيارة كوبر يأتي في لحظة فارقة، وبأنه تباحث خلال لقاءاته في احتمالية اندلاع حرب جديدة ضد إيران في الأشهر القادمة، وشددت “معاريف” على جوهرية التنسيق مع كوبر لمواءمة جهود "إسرائيل" مع الولايات المتحدة في مواجهة إيران.
وجهة لبنان: بين الوعود والضغوط
استناداً إلى ما أعلنته الرئاسة اللبنانية، فقد أكد جوزيف عون في لقائه مع الأميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أن استمرار العدوان الإسرائيلي قد يقوّض مساعي استكمال انتشار الجيش اللبناني، وناشد عون تفعيل عمل لجنة الإشراف على وقف الاشتباكات لتطبيق اتفاق تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم.
كما أكد على ضرورة استمرار دعم واشنطن للجيش اللبناني لتمكينه من الاضطلاع بمهامه الجسام.
القيادة الوسطى الأمريكية: تبلور مهمة جديدة
1. الدور الاستراتيجي للقيادة المركزية:
يجسّد تنصيب الأميرال براد كوبر وزيارته الأولى لدولة الاحتلال، استمرارية النهج الأمريكي في إيلاء الأولوية القصوى لأمن "إسرائيل" ومواءمة الاستراتيجيات العسكرية بين واشنطن وتل أبيب في المنطقة، وتشي إشارات وسائل الإعلام العبرية إلى “دراسة احتمالية شن حرب ضد إيران”، بأن تل أبيب تسعى لاستثمار تبدل القيادة في سنتكوم لتعزيز ملف عدائها المستحكم لإيران.
2. أبعاد الردع ضد طهران:
تتحدث صحيفة “معاريف” بصراحة متناهية عن احتمالية اشتعال فتيل حرب ضد إيران، وتنطوي هذه التصريحات على بُعد دعائي (بثّ رسائل ردع إلى طهران)، وبُعد دبلوماسي (استمالة واشنطن للانخراط بشكل أعمق في الإجراءات المحتملة ضد إيران)، بيد أن دروس الماضي تشهد بأن الولايات المتحدة تنأى عادةً بنفسها عن الانغماس المباشر في حرب شاملة ضد إيران، بل تميل إلى إدارة الأزمة واستخدام شبح التهديد العسكري كورقة في المساومات السياسية.
3. الملف اللبناني المعقد:
يكشف لقاء كوبر مع الرئيس اللبناني جوزيف عون عن سعي واشنطن، إلى جانب انحيازها للكيان الصهيوني، للحفاظ على قنوات الحوار مفتوحةً مع بيروت، يواجه لبنان في أعقاب حرب 2024 تحديات جسيمة تتمثل في إعادة الإعمار وإعادة انتشار قواته المسلحة، ويعكس التماس عون الضغط الأمريكي على "إسرائيل" للانسحاب من التلال المحتلة، محدودية قدرة الدولة والجيش اللبناني في مواجهة غطرسة الكيان.
4. توازن إقليمي على شفا الانهيار:
تعكس زيارة كوبر لطرفي النزاع (الکيان الإسرائيلي ولبنان) ازدواجية النهج الأمريكي: ضمان أمن "إسرائيل" كأولوية قصوى، مع الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن في لبنان لدرء شبح حرب جديدة، غير أن تمادي "إسرائيل" في خرق اتفاق تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قد يدفع المنطقة مجدداً نحو هاوية الاضطراب والفوضى.
5. تداعيات سياسية وعسكرية بعيدة المدى:
بالنسبة للكيان الصهيوني: تمثّل هذه الزيارة سنداً معنوياً وسياسياً يُظهر أن واشنطن لا تزال تقف بصلابة إلى جانب تل أبيب في مواجهة إيران ومحور المقاومة.
بالنسبة للبنان: فرصة دبلوماسية لاستجلاب المزيد من الدعم الأمريكي في إعادة بناء الجيش والضغط على الكيان الصهيوني للانصياع للقرارات الدولية،
بالنسبة لإيران: مؤشر إضافي على استمرارية سياسة الاحتواء والضغط، رغم أن احتمالية اندلاع حرب شاملة لا تزال ضئيلةً، وتُستخدم في المقام الأول كأداة في الحرب النفسية والسياسية.
تجدر الإشارة إلى أنه وفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام العبرية، فقد وطئت أقدام قائد القيادة المركزية الأمريكية الجديد "إسرائيل" في خضمّ تهديدات متصاعدة من اليمن، يأتي براد كوبر للتشاور مع كبار أقطاب الأمن الإسرائيلي في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على صنعاء، ومساعي أنصار الله للانتقام، والمخاوف من امتداد شرارة الصراع إقليمياً لتطال طهران، وأكدت وسائل الإعلام العبرية أن "إسرائيل" تترقّب الضوء الأخضر لإشعال جولة جديدة من المواجهة مع اليمن، في حين لا يزال موقف قائد القيادة المركزية الأمريكية الجديد مكتنفاً بالغموض.
أورتيغاس تحط رحالها في لبنان أيضاً
تجسّد زيارة مورغان أورتيغاس، المبعوثة الأمريكية الخاصة، إلى لبنان ومشاركتها في اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في رأس الناقورة، رمزاً جلياً للضغط والتدخل الأمريكي السافر في الشؤون الأمنية والعسكرية اللبنانية.
تأتي هذه الزيارات في وقتٍ يسعى فيه لبنان لتنفيذ خطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حزب الله، وبينما أبدت باريس ترحيبها بهذه الخطة، لم تفصح واشنطن بعد عن موقفها الرسمي، وتشي الزيارات المتمحورة حول البعد الأمني والعسكري، بضغطٍ ضمني لتعجيل تنفيذ هذه الخطة.
يؤكد حضور الأميرال كوبر في لبنان ولقاؤه مع الرئيس جوزيف عون وقائد الجيش، إلى جانب تشديده على دعم الولايات المتحدة للجيش اللبناني، على رسالة جلية لحزب الله مفادها بأن واشنطن تساند بقوة حصر السلاح بيد الدولة، وتنتظر من لبنان الوفاء بالتزاماته في هذا المضمار.
يجري هذا في وقتٍ يواصل فيه الكيان الصهيوني انتهاكاته اليومية لوقف إطلاق النار واستمرار احتلاله للأراضي الجنوبية اللبنانية، ما يشكّل عقبةً كأداء أمام تنفيذ خطة الجيش، وتحمل هذه التحركات الأمريكية في طياتها انعكاسات متعددة الأبعاد على لبنان والمنطقة بأسرها.
تنبئ زيارة أورتيغاس وحضور كوبر بمواجهة غير مباشرة لكن واضحة المعالم بين الولايات المتحدة وأنصار المقاومة في لبنان، تسعى واشنطن، من خلال دعم الجيش والضغط على بيروت، إلى ترسيخ موازين القوى لمصلحتها وتحجيم نفوذ حزب الله، يقع لبنان في خضم هذه المعادلة تحت وطأة ضغوط خارجية مزدوجة وتعقيدات داخلية متشابكة، ويستلزم تنفيذ سياساته الأمنية والعسكرية إدارةً بالغة الدقة والحكمة.
من هو براد كوبر؟ لمحة عن سيرة القائد الجديد
براد كوبر أميرال بحري بارز في القوات البحرية الأمريكية والقائد الحالي للقيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، خلّف الجنرال مايكل كوريلا في آب/أغسطس 2025، درس كوبر في أكاديمية البحرية ويحمل درجة الماجستير في الاستخبارات الاستراتيجية، ويمتلك في جعبته خبرةً تربو على ثلاثة عقود في سلك البحرية، شملت المشاركة في حرب الخليج الفارسي وأفغانستان والعمليات ضد أنصار الله في اليمن.
قبل تسلمه زمام القيادة المركزية الأمريكية، شغل منصب نائب قائد القيادة المركزية وقائد الأسطول الخامس الأمريكي، يتمحور نهجه حول الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، ومجابهة ما يسميها التهديدات الإقليمية، والتعاون مع القوات المحلية لتثبيت دعائم الأمن، وهو متزوج وأب لطفلين، وزوجته متخصصة في معالجة اضطرابات النطق واللغة.
