الوقت- لا حل عسكرياً لأزمة غزة، هذا ما صرحت به "كايا كلاس"، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لنتنياهو، وقالت المسؤولة الأوروبية أمس، عقب قمة قادة الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، في إشارة إلى تطورات غزة، إنه لو كان الحل العسكري في غزة فعالًا، لكان فعالًا حتى الآن، ويبدو تصريح كلاس حول عدم فعالية الحل العسكري في غزة ادعاءً صحيحًا، لأن العملية الأخيرة الناجحة التي شنتها قوات حماس ضد جنود غزة كبدت الاحتلال الصهيوني خسائر فادحة.
تفاصيل كمين ناجح
نفذت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية المقاومة الفلسطينية الأخيرة، تتجاوز أبعاد هذه العملية ساحة المعركة، ففي "إسرائيل"، يضغط أهالي الجنود الصهاينة على الحكومة والجيش، ما قد يُضعف مبرر استمرار الحرب، وقد اتسم هذا الكمين الناجح بالخصائص التالية:
• موقع الهجوم: في حي الزيتون شرق غزة
• الجلاد: كتائب القسام بتكتيك مدروس ومنظم
• خسائر العدو: مقتل جنديين إسرائيليين على الأقل، وإصابة 11 آخرين، وفقد أربعة.
• تكتيكات المقاومة: إعادة إحياء تكتيكات الـ 7 من أكتوبر، بالتركيز على الكمائن المنظمة، والتفجيرات الموجهة، ومحاولات أسر قوات العدو.
• أسلوب العملية: استخدم مقاتلو المقاومة معلومات استخباراتية ميدانية دقيقة، وطرقًا ضيقة في المناطق الحضرية، وغطاءً من الأنفاق، واستخدموا القناصة والألغام المضادة للدبابات.
• د. أحمد ميزاب، الخبير العسكري: وقعت العملية في منطقة الزيتون الضيقة والمتعرجة، حيث حُدّت حرية عمل الجيش، وتمكّنت المقاومة من أخذ زمام المبادرة.
• التبعات العسكرية: تغيير الأولويات الميدانية للجيش الإسرائيلي، وتركيز العدو على البحث عن المفقودين وإنقاذهم بدلًا من التقدم، ووقف خطة التسلل إلى غزة، وزيادة التكاليف البشرية واللوجستية لتل أبيب.
نتائج كمين الزيتون
كشف نجاح قوات المقاومة الفلسطينية في عملية كمين الزيتون عن عجز سياسة "الأرض المحروقة" الإسرائيلية، وأظهر أن الصهاينة، بكل ما يملكون من قوة تكنولوجية، عاجزون عن إدراك المقاومة الفلسطينية في غزة والقضاء عليها تمامًا، في الواقع، أظهرت هذه العملية أنه بعد عامين من الحرب والقصف المتواصل على غزة، لا تزال المقاومة هي المسيطرة على زمام المبادرة في غزة، بينما جيش الكيان الصهيوني غارق في مستنقع حرب غزة.
كيف تمسك حماس بزمام المبادرة في غزة؟
يعود نجاح حماس في غزة بعد عامين من الحرب واستهداف قوات الجيش الإسرائيلي إلى عدة أسباب مهمة:
أولا: الإرهاق الصهيوني بعد عامين من الحرب
لم تفشل "آلة الحرب" الصهيونية في غزة فحسب، بل انخرطت أيضًا في حرب استنزاف في غزة، ما أدى إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي واستنزاف قواته العسكرية، تشير التقارير إلى أن آلاف جنود الجيش الإسرائيلي استقالوا من الجيش بسبب مشاكل نفسية وارتفاع حالات الانتحار.
يحلم نتنياهو في غزة بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، وذلك بقصفهم وتجويعهم، وهو يفعل ذلك يوميًا في غزة، كما فشلت خطة إخلاء غزة خلال العامين الماضيين، لأن مئات الآلاف من الفلسطينيين رفضوا مغادرة المنطقة.
خلال أكثر من 600 يوم من الحرب في غزة، استخدمت "إسرائيل" قوة عسكرية تفوق بأضعاف ما استخدمته الولايات المتحدة في حرب فيتنام، يشير تقرير موقع "ميدل إيست أونلاين" إلى أن الولايات المتحدة أسقطت حوالي 15 طنًا من المتفجرات لكل كيلومتر مربع في فيتنام، بينما أسقطت "إسرائيل" 275 طنًا لكل كيلومتر مربع في غزة منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، وهذا يعني أن عدد القنابل التي أُلقيت على غزة يفوق 18 ضعفًا ما أُلقي في حرب فيتنام التي استمرت 19 عامًا.
ووفقًا لإحصاءات الجيش الصهيوني الرسمية، قُتل أكثر من 900 جندي إسرائيلي منذ أكتوبر 2023، على الرغم من أن الكثيرين قالوا إن العدد الحقيقي للخسائر الصهيونية أعلى من ذلك بكثير، وقد دفعت هذه الخسائر واستمرار أسر الإسرائيليين في غزة بعد عامين الكثيرين في "إسرائيل" إلى التساؤل عن سبب تكبدهم خسائر في حرب غزة، وما الذي تحقق خلال عامين من الحرب بخلاف الشهرة الدولية والاحتجاجات العالمية المناهضة لـ"إسرائيل"؟
ثانيا: شبكة أنفاق معقدة
شملت أهداف "إسرائيل" المعلنة في غزة تدمير البنية التحتية لحماس، وخاصة شبكة أنفاقها الواسعة، ومع ذلك، ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، لا تزال شبكة أنفاق حماس تعمل إلى حد كبير، على الرغم من تباين تقديرات عدد الأنفاق التي تم تدميرها وعدد الأنفاق التي لا تزال صالحة للاستخدام بشكل كبير.
وقد أبلغ أعضاء حماس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن العديد من الأنفاق قد تم إصلاحها أو صيانتها، بل توسيعها في بعض الحالات، وتشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من نصف الأنفاق لا تزال قيد الاستخدام من قبل حماس في غزة.
ثالثا: ترسانة حماس المعاد بناؤها
من ناحية أخرى، ربما تكون ترسانة حماس الصاروخية قد استُنفدت بشكل كبير في الهجمات الإسرائيلية، لكن صواريخ حماس محلية الصنع والبدائية أعيد بناؤها باستخدام ذخائر غير منفجرة متبقية حول غزة.
ويذكر تقرير مجلس العلاقات الخارجية أن حماس "تعيد تدوير الصواريخ والقنابل وقذائف المدفعية الإسرائيلية غير المنفجرة لاستخدامها كأجهزة متفجرة ومقذوفات بدائية جديدة"، في الواقع، لا يوجد دليل يُذكر على أن قدرة حماس على تهديد "إسرائيل" على المدى الطويل قد تضاءلت.
تكتيكات حرب العصابات المتطورة
في الأشهر الأخيرة، استطاعت حماس تهديد "إسرائيل" بتكتيكات حرب العصابات، بما في ذلك الكمائن القريبة من القوات الإسرائيلية، والهجمات الصاروخية عبر الحدود، في غضون ذلك، تشير العمليات الإسرائيلية المتجددة، ولا سيما في شمال غزة، إلى أن قوات حماس، إلى جانب جماعات المقاومة الأخرى مثل الجهاد الإسلامي الفلسطيني، قد تمكنت من إعادة بناء نفسها، بل استعادة بعض سلطتها الحكومية في أجزاء من غزة. ويقول "جيروم درايفن"، كبير المحللين في شؤون الجماعات المسلحة في مجموعة الأزمات الدولية، إن استراتيجية حماس تتمثل في تجنب المواجهة الشاملة مع المحتلين، والاعتماد بدلاً من ذلك على الهجمات السريعة والمفاجئة، هجمات تُسفر عن المزيد من الضحايا، وفي الوقت نفسه، عن مزيد من الضغط على الجيش الإسرائيلي.
يقول "درايفن" إن مزاعم "إسرائيل" بحل العديد من ألوية حماس ليست جادة، وأن القوة العسكرية لحماس تعتمد في الواقع على وحدات عسكرية صغيرة قادرة على تنفيذ هجمات هجومية في مجموعات صغيرة، يقدر المحللون أن كتائب القسام تضم ما بين 30 و50 ألف عضو في غزة.
ويقول "درايفن"، إن حماس لا تحتاج إلى ألوية كبيرة، بل وحدات صغيرة مؤلفة من شخصين مزودين بأسلحة خفيفة لمهاجمة الدبابات الإسرائيلية، وكذلك استخدام القناصة ضد الأهداف الإسرائيلية، ووفقًا لـ"درايفن"، فقد تكيفت حماس جيدًا مع الهجمات الإسرائيلية المستمرة، لذا فهي تعمل الآن بشكل أكبر بطريقة خلوية، ونتيجة لذلك، نجا العديد من أعضاء حماس.