الوقت- يشهد الكيان الصهيوني مرحلة غير مسبوقة من الأزمات الداخلية التي تعصف ببنيانه السياسي والعسكري والاجتماعي، فعلى الرغم من ادعائه المستمر بالقوة والقدرة على الردع، إلا أن الوقائع الميدانية والداخلية تكشف هشاشة هذه الصورة الزائفة، الجيش الذي كان يوصف بآلة الحرب الأقوى في المنطقة يواجه اليوم أزمة خانقة في التجنيد بعد فرار أعداد كبيرة من جنوده، ما اضطره إلى إطلاق مبادرات استثنائية لإعادتهم إلى الخدمة، في اعتراف ضمني بضعف الانضباط وتراجع الجاهزية.
وفي موازاة ذلك، يعيش الشارع الصهيوني على وقع احتجاجات شعبية واسعة، مطالبة بإطلاق سراح الأسرى ، ومحمّلة الحكومة مسؤولية الإهمال والفشل في معالجة هذه القضية، هذا التزامن بين اهتزاز المؤسسة العسكرية وتفجر الغضب الشعبي يعكس حجم التصدعات التي تضرب بنية الكيان، ويضع قيادته أمام تحديات وجودية يصعب احتواؤها بالمسكنات السياسية أو الأمنية، إنها لحظة تكشف أن الداخل الصهيوني يغلي، وأن صورته المزعومة كقوة منيعة تتهاوى بسرعة.
أزمة التجنيد العسكري
أزمة التجنيد داخل الجيش الصهيوني لم تعد مجرد مشكلة عابرة، بل تحولت إلى أزمة هيكلية تهدد أساس المؤسسة العسكرية. مبادرة "البداية من جديد" التي أطلقها الجيش لاستقطاب الفارين تؤكد عمق الانهيار الداخلي، إذ تمنح هؤلاء فرصة العودة دون عقوبات قانونية أو تأديبية، الخطوة التي حُددت بخمسة أيام فقط، تشمل حتى من تجاوزت فترة غيابه 540 يومًا، تكشف بوضوح حجم العجز في تأمين القوة البشرية المطلوبة، هذه السياسة ليست سوى محاولة لترميم الشروخ المتزايدة، لكنها في الوقت نفسه تعكس ضعف الانضباط وفقدان السيطرة على العناصر، الأكثر خطورة أن البرنامج يسمح بعودة الفارين للمشاركة في أدوار قتالية ودفاعية حساسة، وهو ما يشير إلى درجة الاستنزاف التي يعانيها الجيش. وفي حين تحاول القيادة العسكرية طمأنة الداخل بالقول إن هذه المبادرة لن تتكرر، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك، حيث إن تفاقم النقص البشري وتراجع الروح المعنوية يجعلان من تكرار مثل هذه الخطوات أمرًا شبه حتمي، الأزمة لا تتعلق فقط بعدد الجنود، بل بتهالك صورة الجيش كمؤسسة منضبطة، ما يفضح زيف "القوة التي لا تُقهر" ويؤكد أن الاحتلال يترنح في قلب معركته الوجودية.
احتجاجات الشارع وملف الأسرى
إلى جانب أزمة الجيش، يواجه الكيان صراعًا متفجرًا في الداخل نتيجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة، فتل أبيب وسواها من المدن المحتلة امتلأت بساحات الغضب، حيث خرج مئات الآلاف في تظاهرات ضخمة للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، هذه الموجة الاحتجاجية ليست حدثًا عابرًا، بل جاءت بعد أكثر من 681 يومًا من المماطلة الحكومية، لتعلن بصوت عالٍ أن الشارع فقد ثقته في القيادة.
مشاركة عائلات الأسرى والفعاليات الشعبية المختلفة منحت هذه المظاهرات بعدًا إنسانيًا وسياسيًا عميقًا، وجعلت منها معركة مفتوحة بين المواطنين والحكومة، رافق الاحتجاجات إضرابات عامة ومواجهات متفرقة مع الشرطة، ما كشف حجم الاحتقان الشعبي. هذه الأحداث تؤكد أن المجتمع الصهيوني يرفض استمرار سياسات القمع والإهمال، ويتمسك بحقوق الأسرى وبالحلول العملية عبر اتفاقيات تبادل متعددة المراحل، التظاهرات تعكس أيضًا تصدع العلاقة بين السلطة التنفيذية والشارع، وتكشف هشاشة الاستقرار الداخلي الذي يحاول الكيان إظهاره، ومع عجز الحكومة عن تقديم حلول عاجلة، يتحول الغضب الشعبي إلى عنصر ضغط متزايد قد يفجر أزمات أكبر، ويفضح صورة الكيان أمام الرأي العام العالمي كدولة غارقة في أزماتها وفاشلة في إدارة أبسط الملفات الإنسانية.
تقاطع الأزمات وتصدع الداخل
إن الترابط بين أزمة التجنيد العسكري والاحتجاجات الشعبية يرسم صورة لكيان مأزوم على أكثر من صعيد. فجيش يتخبط في إعادة جنوده الفارين، ويكشف ضعفًا في الانضباط، يقابله شارع يغلي غضبًا على سياسات الحكومة، هو مشهد يختصر حقيقة التصدع الداخلي. الأزمة لم تعد مقتصرة على المجال العسكري، بل امتدت لتشمل البنية الاجتماعية والسياسية، ما يجعلها أزمة شاملة تهدد أسس المشروع الصهيوني ذاته.
التحدي اليوم يتجاوز نقص الجنود أو صفقات الأسرى، إذ يتعلق بفقدان الثقة في القيادة وعدم قدرتها على التوفيق بين متطلبات الحرب وضغوط الداخل. فالمزج بين ضعف المؤسسة العسكرية وتصاعد السخط الشعبي يشير إلى هشاشة الوضع وإلى أن الكيان يواجه لحظة انكشاف استراتيجي لم يسبق لها مثيل. الأبعاد الرمزية لهذه الأزمات بالغة الأثر، إذ لم يعد الجيش قادرًا على ترسيخ صورته كقوة ضاربة، ولم تعد الحكومة قادرة على إقناع مستوطنيها بجدوى سياساتها. هذه الحالة من الاهتزاز المتعدد المستويات تؤكد أن الكيان الصهيوني ليس إلا جسدًا منهكًا، يترنح تحت ضغط داخلي وخارجي متزامن، وأن سقوطه لم يعد مجرد احتمال بل بات مسارًا تتسارع مؤشراته يومًا بعد يوم.
في الختام،المشهد الصهيوني الراهن يكشف انهيارًا داخليًا متسارعًا، حيث يتخبط جيش الاحتلال في أزمة تجنيد غير مسبوقة، بينما يواجه الشارع احتجاجات حاشدة تطالب بالإفراج عن الأسرى، محاولات الحكومة لاستيعاب الجنود الفارين أو طرح مبادرات تبادل لا تتعدى كونها مسكنات عاجزة أمام عمق المأزق. النتيجة أن الكيان يجد نفسه أمام أزمة وجودية مزدوجة: مؤسسة عسكرية منهكة وداخل شعبي متصدع، هذه التصدعات تنسف صورة "القوة المنيعة" وتفضح عجزه عن الحفاظ على تماسكه، إنه كيان يتآكل من الداخل، ومع كل يوم تتسع الشروخ، يقترب أكثر من لحظة سقوطه المحتومة.