الوقت - بعد الهجوم العدواني الذي شنه الجيش الأمريكي الإرهابي على منشآت التخصيب الإيرانية في فوردو، وانتهاك سيادة الجمهورية الإسلامية، لم تمض ساعات طويلة حتى قامت القوات المسلحة الإيرانية بالرد بشكل قاسٍ على إعتداءات الرئيس الأمريكي المتبجح، من خلال استهداف أهم قاعدة عسكرية أمريكية خارج حدود بلاده، مُظهرين أمام مرأى العالم مرةً أخرى زيف أسطورة القوة العظمى الأمريكية.
وبينما تساور الشكوك العديد من الأطراف في العالم، بما في ذلك الوكالة غير الموثوقة للطاقة النووية، وحتى الإعلام الأمريكي بشأن ادعاءات ترامب حول تدميرٍ كامل لمنشآت إيران النووية جراء الهجوم الأمريكي، فإن الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عن حجم الأضرار، أثبتت مرةً جديدةً قدرتها على توجيه صفعةٍ للقوة العسكرية الأكبر في العالم، ذات أكبر ترسانة نووية، حيث تعرضت قاعدة العديد لهجومٍ من صواريخ إيران القوية.
كان الرسالة واضحةً جليةً: القواعد العسكرية الأمريكية ليست عناصر رعب في نظر إيران، بل تشكّل أهدافاً سهلة المنال؛ وعندما لا يجرؤ أحد على الحلم بالتصدي لتبجُّح البيت الأبيض، يردّ الإيرانيون على ترامب بلغة الصواريخ.
أهمية قاعدة العديد
إن اختيار قاعدة العديد كهدف للرد على العدوان الأمريكي، يحمل دلالات بالغة الأهمية. تقع هذه القاعدة في المنطقة الصحراوية جنوب غرب الدوحة، وتعتبر نقطة المحور الرئيسية للعمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. تأسست العُديد بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي عام 1996، وتحولت إلى مركز حيوي لوجود الولايات المتحدة وقدراتها التوسعية في المنطقة.
تعد هذه القاعدة الجوية أكبر مركز عسكري أمريكي في منطقة الخليج الفارسي، حيث تستوعب أكثر من 10 آلاف فرد من العسكريين الأمريكيين. كما تمثّل المقر الرئيسي للقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية (AFCENT) وتعدّ الميدان الرئيسي للعمليات الجوية في المنطقة.
تكتسب هذه القاعدة مكانةً استراتيجيةً بفضل دورها الحيوي في مراقبة الأنشطة العسكرية، ولذلك فقد تم اختيارها كهدف رئيسي لعمليات الانتقام التي نفذها الحرس الثوري الإيراني. ورغم أن الجمهورية الإسلامية تشير إلى أن هذا الاختيار يعود إلى الدور القيادي للقاعدة كقيادة للعمليات الأمريكية (سنتكوم) في شن العدوان، فإن الأهمية الرمزية لهذا الهجوم لم تغفل عن البال؛ فالهدف يتجاوز تدمير بعض الطائرات والمرافق، الذي كان بالإمكان تحقيقه بسهولة لو كان محور الخطة ذلك.
إن الهدف الأسمى كان هو إظهار قدرة إيران على الردع، وإسقاط الهيبة العسكرية الأمريكية، وقد تحقق ذلك في زمنٍ يسعى فيه ترامب، من خلال اعتماده سياسةً عدوانيةً، إلى إثبات عدم وجود حدود لممارسة القوة العسكرية. وبهذا، فإن العُديد تمثّل رمز الهيبة العسكرية الأمريكية التي تهاوت مع سقوط عدد من الصواريخ عليها.
تغير موقف ترامب قبل وبعد الهجوم
تُظهر نظرة على مواقف ترامب قبل وبعد عملية "بشارة الفتح"، أن الهدف الرئيسي لإيران من هذه العملية قد تحقق. فعلى الرغم من الظاهر، أي التصدي للصواريخ وحماية أرواح العسكريين والمعدات الأمريكية، إلا أن رد إيران كان مؤلماً بشكل كبير.
قبل تنفيذ العملية العقابية الإيرانية، صرح ترامب وغيره من المسؤولين الكبار في البيت الأبيض بوضوح، أن أي إجراء من الجمهورية الإسلامية سيواجه بردود عسكرية أوسع من قبل القوات الأمريكية. ولكن بعد الهجوم الإيراني، غيّر الرئيس الأمريكي موقفه بصورة جلية، حيث قدّم الشكر لإيران عبر منصته الاجتماعية الخاصة، مثنياً على إعلانها الهجوم وامتناعها عن قتل الجنود الأمريكيين، قائلاً: "الحمد لله، حفظ الله إيران!"
وعلى الرغم من أن ترامب معروف بمزاعم الكذب، ويميل إلى المبالغة في الأمور، إلا أن رد فعله يكشف عن خوفه من استمرار صراع عسكري ببعدٍ أكبر، بعد أن شاهد عزيمة إيران وإرادتها القوية في الرد على العدوان، وقدرتها الفائقة في استهداف القواعد الأمريكية. وهذا يعني أن إيران، بجانب تأديبها للمعتدين وإسقاط هيبة القوة العسكرية الأمريكية، حققت نجاحاً باهراً في بناء ردعٍ فاعل.
ويُلاحظ أيضاً أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فقد كان إعلان ترامب المفاجئ حول موافقة أحادية الجانب من الکيان الصهيوني على وقف إطلاق النار، دليلاً على أن واشنطن باتت قلقةً بشدة من استمرار صمود الکيان تحت الضغوط المميتة لهجمات إيران الصاروخية. وفي ظل هذه التحديات الجسيمة، بات من الأفضل لواشنطن إنقاذ الکيان قبل أن يتعرض لهزيمة كاملة.
لغز الهجوم على دولة محايدة
بين المسائل المرتبطة بالعملية العقابية الإيرانية ضد العدوان الأمريكي، تبرز ردود فعل قطر والدول الخليجية كأمرٍ بالغ الأهمية، حيث قد تسعى واشنطن أحياناً لاستثمار هذه الأوضاع الملتبسة لتؤثر على هزيمتها القاسية من خلال تشتيت الانتباه نحو هذه الموضوعات الجانبية.
تتمتع إيران بعلاقات وثيقة وصداقة قوية مع حكومة وشعب قطر، وقد شهدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة نمواً متميزاً في جميع المجالات. ومن المؤكد أن إيران قد أخذت بعين الاعتبار جميع البروتوكولات الأمنية خلال هذه العملية، حرصاً على عدم الإضرار بمصالح وحقوق المواطنين القطريين. وبذلك، تعتبر الجمهورية الإسلامية أن حسابات الحكومة والشعب القطريين، تختلف عن حسابات القاعدة العسكرية الأمريكية المتواجدة في هذه المنطقة.
لكن بالرغم من هذه العلاقات الطيبة، تدرك إيران من خلال القوانين الدولية والأعراف السياسية حقها المشروع في اعتبار جميع القواعد الأمريكية كأهداف عسكرية مشروعة، كونها تمثّل تهديداً لأمنها ومصالحها خلال زمن الحرب. وإذا كانت دول الجوار تهتم بالحفاظ على أمنها، ينبغي عليها أن تلتزم تماماً بمبدأ الحياد، وعدم السماح للقوات الأمريكية بالتواجد والنشاط في أراضيها؛ كما حدث في زمن الحرب العالمية الثانية، عندما انتهكت تلك الدول حياد إيران عبر عدم طرد المستشارين الألمان، ما أدى إلى انتهاك سيادتها واحتلال أراضيها.