الوقت- اشتعلت شرارة الإحتجاجات في المغرب العربي في 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، كردّ فعل على حادثة طحن الشاب "محسن فكري" داخل شاحنة أزبال بمدينة الحسيمة (شمال المغرب) على مرأى من قوات الأمن.
في حقيقة الأمر إن مايحصل في المغرب من قيام على السلطة لم يكن وليد اللحظة، وإنما جرّاء فشل وزراء الملك المغربي في الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب في معاناة المواطنين، إذ تعاني المملكة من ركود اقتصادي بات على حافة الإفلاس الشامل، ويعاني المواطنون من شحّ الموارد في البلاد، مادفعهم الى اتبّاع طرق عقيمة للحصول على لقمة عيشهم.
والذي أشعل فتيل الغضب الشعبي بائع السمك الريفي "فكري" الذي أوردناه فيما سبق، حيث اعتاد البائع الفقير الذي وافته المنيّة بطريقة مخزية "لاسيما وأنها جاءت بإشراف من ضباط الأمن" على شحن السمك بالجملة من ميناء مدينة الحسيمة.
ولنكون موضوعيين وواقعيين علينا ذكر تفاصيل ماحصل عن لسان المواطنين وليس الحكومة، ولهذا سنسلّط الضوء على ماقاله أقرباء الضحية، إذ اقترض الفقيد بحسب ماذكروه مبلغا من المال لشراء بعض السمك والمتاجرة به علّه يعيل نفسه وعائلته، الى أن فاجأه أمن المدينة وصادر رزقه، تحت ذريعة أن صيد ذاك النوع من السمك منعته الحكومة، بالرغم من أن البائع اشترى السمك على مرأى من أمن الميناء.
والمُفجع في ذلك اليوم المشؤوم.. أن أحد ضباط الأمن أمر ناهيا بإتلاف الشحنة داخل طاحونة أزبال، الأمر الذي دفع البائع فكري بأن يرمي نفسه داخل طاحونة السيارة احتجاجا على هذا المصير الظالم، ظاناً أن تضحيته بنفسه من أجل رزقه سيعدل ضابط الشرطة عن رأيه بإتلاف الشحنة، إلا أن حساباته كانت خاطئة فالشرطيّ أمر بمواصلة عملية الطحن ولم يُشفق على الرجل الفقير، وبتّ بمصيره أن يُطحن هو ورزقه.
ماحصل في ذلك اليوم كان كفيلا بإشعال الشارع في وجه السلطة، حيث خرج مئات الآلاف في مختلف أنحاء المملكة في بداية الأمر، ومن ثم تركّزت الإحتجاجات في الريف التي ينحدر منها القتيل، والتي تضم مدن الحسيمة والناظور وإمزورن.
وهذا مامنح الاحتجاجات لقب "حراك الريف" في منطقة محاطة بعدّة عوامل ساهمت في حصولها على لقب المنطقة الأكثر تمردًا على الصعيد المغربي. فعلى الصعيد الإقتصادي يعاني الريف المغربي من أعلى نسب بطالة، حيث تصل النسبة بالجهة الشرقية إلى 19%، 1ر16% بجهة طنجة – تطوان، و2ر14% بالحسيمة- تازة- تاونات.
دفعت هذه الظروف القاسية المذكورة آنفا بسكان الأرياف الى الإتّكال على التهريب في تأمين قوت يومهم بعد أن أضناهم تهميش المملكة لهم، خصوصا أن مناطقهم مجاورة للحدود الإسبانية المكتظة بالبضائع المهربة والمربحة ماجعلها أهم مورد اقتصادي يساعدهم على سدّ رمقهم.
وأما من الناحية التعليمية فما يزال التعليم في المغرب متأخرا عن دول العالم، ومن الناحية الصحية يتهدّد المواطنون شبح المرض والموت نتيجة سوء الخدمات الصحية، وعلاوة على كل ماورد تعاني البلاد من ديون خارجية بلغت %87 من الدخل الخام، أي ما يعادل 870 مليار درهم، وفوق ذلك لا يزال الفساد مستمرًا بحسب التقارير الموثقة.
ولو أردنا أن نورد مثالا يوثّق حالة موت الأمل وتحسين الأوضاع المعيشية لدى المغاربة، لتطرقنا الى واقعة انتحار الربان البحري "خالد قادر" بمدينة الداخلة المغربية منذ قرابة سنة، حيث أقدم على إحراق نفسه أمام مندوبية الصيد، رافضا التهميش الذي لقيه من قبل السلطات، بعد حرمانه من رخصة ربان باخرة وأصبح عاطلا عن العمل.
حراك الريف لايزال مستمرا بتنظيم أشكال احتجاجية متعددة كان آخرها إضراب ومسيرة الخميس 18 آيار (مايو) الماضي، وسيظلّ متواصلا الى أن يستيقظ مسؤولي المملكة ويقرّروا حل مشاكل المواطنين لاسيما أهل الريف منهم.