الوقت - شكَّلت مواقف الرئيس التركي والتي أطلقها ضد العراق والحشد الشعبي جدلاً في الساحة السياسية الإقليمية. ليس لأهمية أردوغان أو تصريحاته المتناقضة والبراغماتية دوماً، بل لأهمیة ما أثبته الرجل، من حجم السخط الذي يُخفيه الكثير تجاه العراق، بعد تمكنه من كسر العجز وتأسيس الحشد الشعبي كقوة بمستوى المنطقة والتحديات. وهو أهم ما دلَّت عليه تصريحات أردوغان. في حين يتساءل المحللون عن أسباب النظرة الفوقية من الجانب التركي تجاه العراق، وقلة الإحترام التي يُبديها المسؤولون الأتراك للشعب العراقي وسيادة الدولة العراقية. فماذا في مهاجمة الحشد الشعبي للعراق؟ وكيف عبَّر الرد العراقي الرسمي عن الإمتعاض؟ وما هي دلالات ذلك؟
أردوغان يهاجم الحشد الشعبي والعراق
وصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الحشد الشعبي بالعراق بأنه منظمة إرهابية. وخلال مقابلة له مع قناة "الجزيرة" القطرية، اعتبر أردوغان أن ايران تنتهج سياسة انتشار وتوسع فارسية مدعياً أن الحشد الشعبي، هو منظمة إرهابية على الرغم من أن البرلمان العراقي يدعمه! ولم يُخف أردوغان أهمية العلاقة التاريخية بين تركيا وإيران، معتبراً أنه يخالف التوجهات الإيرانية في كل من سوريا، العراق، اليمن ولبنان.
الرد العراقي الرسمي
من جهته رد العراق رسمياً على تصريحات أردوغان، حيث أعلنت وزارة الخارجية العراقية، استدعاء السفير التركي لدى بغداد لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية بشان التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان تجاه الحشد الشعبي. كما وصف المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، التصريحات بأنها غير مسؤولة وتعبِّر عن مواقف منفعلة وخطاب متشنج، معتبراً أن أردوغان أوصل الأمور الى مرحلة لم يعد يُجدي فيها الخطاب مع الجانب التركي. ورفض المكتب الإعلامي للعبادي التدخل في الشأن الداخلي العراقي. وأصر العبادي على موقف العراق الرسمي والقاضي بسحب القوات التركية من العراق واحترام سيادة الدولة العراقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق الأمر الذي قد يؤدي الى تداعيات سلبية على مستوى الاستقرار بين البلدين.
من جهته، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي أمس، أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الأخيرة هي اعتداء سافر على سيادة العراق، مؤكداً أن هیئة الحشد الشعبي سترد على تلك التصريحات. فيما أكد نواب إئتلاف دولة القانون أن تصريحات أردوغان تأتي نتيجة قيام الحشد الشعبي بإفشال أكبر مشروع تآمري لتقسيم العراق والمنطقة والذي كان اردوغان أحد أدواته.
اتهامات أردوغان: دلالات وتحليل
عدة دلالات يمكن الخروج بها من خلال ما تقدم، نشير لها في التالي:
أولاً: يدل الرد العراقي الرسمي على حجم السخط من قِبَل العراق شعباً ودولة على تصريحات المسؤولين الأتراك لا سيما أردوغان، وكيفية تعاطيهم مع الدولة العراقية وحقوقها السيادية. في حين كان كلام أردوغان بعيداً عن السياسة العقلانية ومليئاً بالدلالات العنجهية، البعيدة عن احترام سيادة وحقوق وحدود الدولة العراقية.
ثانياً: دلَّت التصريحات الرسمية والسخط العراقي على أهمية الحشد الشعبي بالنسبة للعراق، وهو ما يُعتبر في حقيقته السبب الأساسي وراء هجوم أردوغان، على العراق. حيث يعرف الجميع أن الحشد الشعبي بات ورقة العراق الأهم والأقوى، والسبب في منع رضوخه. وهو ما لا يَخفى على أحد مساهمة إيران فيه. لذلك يأتي الهجوم المزدوج على الحشد الشعبي وإيران، من باب تأكيد الإمتعاض التركي من قدرة الشعب العراقي على مواجهة التحديات كافة!
ثالثاً: يطرح كلام أردوغان السؤال حول أسباب الخطاب التركي الحالي. فالسياسة التركية الإقليمية يبدو أنها لا تريد الخروج من دائرة التناقض. حيث يُهاجم أردوغان إيران من خلال العراق، ثم يؤكد على أهمية العلاقة التاريخية معها. كما ينتقد سياسة الغرب من جهة، ويقوم بمهاجمة الحشد الشعبي بهدف التقرُّب منهم. وهو ما يدل على حجم التخبُّط والإزدواجية في المعايير التركية تجاه السياسة الإقليمية والدولية. في حين يخدم هذا الخيار مصالح الغرب وواشنطن!
رابعاً: لا يجب فصل خطاب أردوغان، عن التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة، والقائم على جعل إيران عدوة الجميع. حيث أكدت واشنطن مراراً أن أكبر خطرٍ عالميٍ عليها يتمثَّل في التعاظم الإيراني. وهو ما جعل التوجه الأمريكي الجديد يدعم الحشد ضد إيران. مما يعني محاولة أردوغان التناغم مع المصالح والخيارات الأمريكية من أجل مصالحه الخاصة، مع محاولته الحفاظ على علاقته بإيران!
خامساً: تُثبت الإتهامات الدائمة للحشد الشعبي، والتي يسوقها أردوغان وأمثاله من العرب أو الغرب، أهمية الحشد في العراق، واعتباره السبب في تحصين القوة العراقية محلياً وإقليمياً، وهو ما جعل من العراق طرفاً قوياً بمستوى تحديات المنطقة والعالم.
إذن قد يكون أردوغان أخطأ في التعبير أو التصريح. لكنه صدق في تقييم الأمور. يُمثِّل الحشد الشعبي قوة العراق وسبباً في كسر آمال وطموحات المستعمرين من الدول. وهو ما يُعتبر أهم ما خرج به أردوغان. في حين يُنتظر ليتبيَّن كيف ستكون إدارة العلاقة بين تركيا والعراق نتيجة هذه التصريحات؟