الوقت- رغم مرور أكثر من عامين ونصف على تشكيل الحشد الشعبي، ومشاركته الفعالة إلى جانب القوات الأمنية العراقية والجيش العراقي في خضم الصراع المستعر ضد تنظيم "داعش" الإرهابي وبذله الكثير من التضحيات في سبيل وحدة وحماية الأرض والدولة العراقية، تخرج علينا أصوات من داخل العراق وخارجه تتحدث عن مستقبل هذه القوات المسلحة الرديفة ووضعها الحالي ومستقبلها.
والأمر الأكثر غرابة أن البعض ما زال يشكك في مشروعية الحشد رغم مساهماته الفعالة والحاسمة في الكثير من المعارك ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
إذاً مالذي تغير اليوم حتى يتم كل هذا التجييش الإعلامي الغير مسبوق من قبل دول إقليمية ودولية وحتى بعض التيارات السياسية الداخلية في البرلمان العراقي لمصادرة وسلب الانجازات والانتصارات التي حققها الحشد ، وهل الإغراءات التي تقدمها الولايات المتحدة وحليفها التاريخي في المنطقة نظام آل سعود لبعض الأطراف السياسية العراقية وتقديم الوعود البراقة في ظاهرها والخاوية في مضمونها في تغيير النظرة الشعبية التي تشكل الحاضنة الأساسية والحقيقية لهذا الحشد؟!.
نظرة تاريخية
فالعراق الذي عانى على ما يزيد من عقد من ويلات الاحتلال الأمريكي وأذرعه الإرهابية المتمثلة بتنظيم القاعدة وابنها الشرعي "داعش"، قد أخذ ما يكفي من العبر والدروس ولن يقبل بتمرير مشاريع غربية جديدة واهية لاتبني مستقبل مشرق لا للعراق ولا للعراقيين على مختلف انتماءاتهم الإثنية والقومية والوطنية حتى.
وللتذكير فبعد قيام قوات التحالف الدولية الغازية للعراق بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في شهر أكتوبر من العام 2004 بحل الجيش العراقي السابق وسعيهم إلى تشكيل جيش "شرطوي بوليسي" هزيل مجرد من أي بعد وطني أو قومي ومهمته الوحيدة منع الشغب "أي مقاومتهم" وتجهيزه بسلاح لايستخدم إلا ضد خصوم واشنطن، وفي عبارة أخرى كانت قوات التحالف تريد من هذا الجيش أن يقوم بالدفاع عن وجودها ومصالحها ويتصدى للأخطار الداخلية بالنيابة عنها ويتكفل بملاحقة وضرب أي مقاومة محتملة، وكانت القوات العراقية المشكلة في ذلك الوقت مجرد قوة شكلية ذات أغراض أقل بكثير من أبجديات الدفاع الوطني والقومي عن بلاد كتب لها أن تقع في منطقة جيوسياسية حساسة جدا.
ضرورة وطنية
من هذا الواقع المؤسف والمرير وما تلاه من انسحاب قوات الغزو بعد اقرارهم بالهزيمة وتزايد التحديات الأمنية والعسكرية على مؤسسات وأجهزة الدولة العراقية، خصوصا العمليات الإرهابية وتأزم الوضع في سوريا منذ بداية العام 2012، وبين هذا وذاك كان من الضرورة وجود قوات رديفة تعتمد على العمق الشعبي العراقي بمختلف أطيافه لحماية هيكيلة ووجود الدولة العراقية، خصوصا بعد الفضيحة الأمنية التي هزت الجيش العراقي والقوات الأمنية بعد سقوط أكثر من ثلث البلاد في يد التنظيم الإرهابي المجرم "داعش" وقرب وصولهم إلى العاصمة التاريخية للبلاد بغداد.
ونظرا لحساسية الوضع في الداخل العراقي وتهديد "داعش" للسلم الأهلي وتمددها بشكل متضطرد وسريع على كامل الجغرافيا العراقية، قامت المرجعية الدينية في النجف الأشرف بإصدار فتوى "الجهاد الكفائي" وذلك في تاريخ 10/6/2014 ودعوة العراقيين لحمل السلاح والدفاع عن بلدهم، وكان لهذه الفتوى أثر بالغ في زيادة عدد المتطوعين وانضوائهم تحت فصائل منظمة تشكل القوام الرئيسي والأساسي للحشد الشعبي اليوم.
الحشد الشعبي
هو قوات رديفة مسلحة تعتمد منهج حرب الشوارع مدعومة من الدولة العراقية ومؤسساتها وتتبع تنظيميا لمستشارية الأمن الوطني العراقي وتتألف من 42 فصيلا مسلحا، ووصل تعداد المتطوعون في الحشد الشعبي والذين ينتمون إلى مختلف الطوائف والقوميات العراقية وهو ليس حكرا على المسلمين وحدهم فقد تم تشكيل فصيل ذو أغلبية مسيحية كلدانية يدعى"فصائل بابليون أو بابل"، وصل إلى 118 ألف مقاتل، 60 ألف مقاتل منهم يشارك اليوم بشكل فعال على جميع الجبهات العراقية ويساهمون إلى جانب الجيش العراقي بتحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة "داعش" الإرهابي ، محققين إنجازات عظيمة، نذكر منها تحرير محافظة ديالى وصلاح الدين في العام 2015 مرورا بتحرير ناحية "جرف الصخر" الاستراتجية نظرا لقربها من مدينة كربلاء المقدسة ولتجذر تنظيم القاعدة فيها منذ عام 2003 وصولا إلى الإقتراب من تحرير مدينة الموصل آخر معاقل تنظيم "داعش" في العراق.
السعودية والسياسة البترودولارية
لا يخفى على أحد اليوم الدور المشبوه والملتبس الذي تقوم به الرياض في المنطقة ككل وجديدها اليوم في العراق حيث خرج علينا وزير الخارجية السعودي الجبير في المؤتمر الدولي لمكافحة داعش وأشاد بالدور الكبير الذي يلعبه العراق بمكافحة الإرهاب مقدما العطايا السعودية كعادة حكومته في تقديم الهبايا ذات اليمن وذات الشمال لأغراض معروفة للقاصي والداني وتمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية العراقية، ظنا منه ومن مملكته أنه بإمكانه من خلال رفع الديون السعودية عن العراق يستطيع أن يقزم من دور الحشد الشعبي وشرعيته.
ومن لايعلم بسياسة السعودية فيجب التذكير بما قامت به مع حلفائها الخليجيون وعلى وجه التحديد دولة قطر بعد الانتصار التاريخي للمقاومة الإسلامية في لبنان في صيف العام 2006 على العدو الصهيوني من عمليات إعادة إعمار وشراء بعض النخب السياسية في لبنان ظنا منهم أنهم سيغطون بذلك على انجازات المقاومة ومن خلفها محور الممانعة.