تنعقد القمة العربية في الأردن على مشارف البحر الميت. المنطقة التي تُعتبر وجهة سياحية. لكن ما يُسرَّب عما ستخرج به القمة، يدل على حجم غياب الدور العربي فيما يخص القضايا الإقليمية وآمال الشعوب. مع وجود فارقٍ في مستوى ذلك بين الدول العربية. وهو ما يُعتبر بطريقةٍ أو بأخرى سبباً للخلافات التي تسود العلاقة بينهم حقيقةً. فماذا في القمة العربية؟ وكيف أنها تسعى لرفع دورها عبر حمل المظلة الأمريكية ولكن بيدٍ مشلولة؟
القمة العربية تنعقد!
تستضيف عمان العاصمة الأردنية أعمال الدورة العادية رقم 28، على مستوى القمة لجامعة الدول العربية، والتي سيكون موعدها في 29 آذار الحالي. فيما بدأت الإجتماعات التحضيرية من قبل وزراء الخارجية والتي تسبق القمة، منذ 23 من الشهر الحالي وتستمر حتى 29 منه. تُقام القمة في الأردن في منطقة البحر الميت حيث تحصل الإجتماعات فى مركز الملك حسين للمؤتمرات. وتعتبر منطقة البحر الميت واحدة من أجمل الوجهات السياحية فى العالم. وحول مواضيع القمة، فقد نقلت وسائل الإعلام الأردنية أن القمة ستُناقش عدداً من الموضوعات الساخنة بالإضافة الى عددٍ من القضايا المشتركة العربية والإقليمية. فيما سيكون على رأس المباحثات مواضيع تتعلق باليمن وسوريا وفلسطين والعراق وليبيا وعدد من القضايا الأخرى.
القمة العربية: غياب التأثير والأهمية!
عدة أمور يمكن الإشارة إليها، تدل على غياب تأثير القمة وعدم وجود أهمية عملية لها، يمكن ذكرها في التالي:
أولاً: تنعقد القمة في ظل وجود توجهات سياسية جديدة في الشرق الأوسط، تسود كل من الدول الكبرى وتحديداً روسيا وأمريكا. في حين يرتبط ذلك الى حد بعيد بنتائج الأزمة السورية والرهانات الإقليمية والدولية السابقة.
ثانياً: يمكن الجزم بأن التحضير للقمة ضعيف جداً، حيث أنه لا يصل لمستوى التحضير لإجتماع بين طرفين. فالقمة والتي تُعتبر محطة للقاء مسؤولي الدول العربية وأعضاء الجامعة العربية، لا تتمتع بأي إهتمام أو أهمية لجهة النتائج المرتقبة أو حتى الحدث بذاته، وهو ما يعود للعديد من الأسباب.
ثالثاً: إن عدم وجود أي دور فعلي للدول العربية وإنغماس معظمها في السياسات الدولية لأمريكا، وبعدهم عن الشأن الحقيقي للشعوب، هو من الأمور التي جعلت من القمة محطة للإجتماع فقط. في حين تُعتبر الفجوة بين الأنظمة العربية وشعوبها، أحد أهم مُسببات ذلك.
رابعاً: يُعتبر أحد أهم أسباب توقُّع فشل القمة، سياسة الدولة المُستضيفة. فالأردن معروفة التوجهات والسياسات. وهي اليوم تتناغم للأسف مع توجهات الإدارة الأمريكية الحالية، والتي ما تزال في مرحلة إعادة خلط الأوراق وتحديد السياسات، إلا تلك التي تتعلق بالعداء لإيران والتوفيق بين العرب والكيان الإسرائيلي.
خامساً: إن المحاولات التي تجري، والتي تُعتبر القمة فرصة لها، والمتعلقة بإجراء مصالحة عربية، لا سيما على مستوى الدول الخليجية ومصر، فهي محاولات شكلية، لن تستمر أمام حقيقة وجود خلافات داخلية. وهو ما ظهر مع إعلان سلطنة عمان تخفيف تمثيلها في القمة نتيجة وجود خلاف حول ما سيتضمنه البيان الختامي، عبر مواقف تعتبرها عمان مُحرجة. وهو ما يبدو أنه يتعلق بالموقف من إيران. الأمر الذي وافقتها عليه الكويت أيضاً. حيث من المعروف أن سلطنة عمان والكويت تدعمان فكرة الإنفتاح وإقامة حوار خاص مع إيران بإعتبارها دولة جارة أثبتت أنها قادرة على صياغة علاقات ثنائية على اساس المصالح المتبادلة.
سادساً: تظهر بشكل جلي علامات غزل بين كل من القاهرة وأنقرة والدوحة، وهو ما تسعى أمريكا لتعزيزه في محاولة لإعادة ربط الأطراف التي يمكن أن تكون جزء من سياستها في المنطقة، ضمن سياسة هادفة لإعادة بسط اليد على ملفات المنطقة ولو بشكل جزئي وغير مباشر. في حين يبدو واضحاً أن مصر تمانع حتى الآن الجهود الساعية لتوسيع الدور العسكري العربي في صراعات الإقليم وخاصة في إطار ما قيل عن التحضير الأميركي لإقامة ما يُشبه الناتو العربي.
سابعاً: يدعم مسار المصالحات، توجه الإدارة الأمريكية الجديدة، لبناء واقع عربي، يمكن الرهان عليه في مواجهة التعاظم الإيراني. فيما يؤكد خبراء أن ذلك إن حصل، غير قابل للحياة، لأسباب تتعلق بطبيعة الخلافات الموجودة بين الدول العربية، وخلافها حول التعاطي مع إيران. فيما وبالنسبة للجانب الإيراني، فإن ما يجري ليس بجديد، وهو من ضمن المحاولات الأمريكية لخلق فتنة قومية ومذهبية في المنطقة، لا تنفع في ظل سياسات طهران العقلانية والتي تعتمد جسور التواصل والمحبة وتحقيق آمال الشعوب.
ثامناً: إن توجه القمة، لتحديد مسار العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، عبر دعم حل الدولتين، هو من الأمور التي ستُشكل خيانة عربية جديدة للقضية الفلسطينية وآمال الشعوب العربية، الرافضة لهذه التوجهات. في حين يوجد خلاف بين الدول العربية حول مستوى تأييد ذلك، بغض النظر عن إنجراف كل من السعودية وقطر تحديداً تجاه السياسة الأمريكية الجديدة والتي يقودها ترامب، والذي يبدو أنه سيعتمد على هذه الدول بشكل أكبر من سلفه أوباما.
إذن، تنعقد القمة العربية والتي يبدو واضحاً بُعدها عن الطموحات العربية التي تُمثل القومية العربية وآمال الشعوب. قمة أشبه بفرصة للقاء وأخذ الصور. فيما يُعتبر من سخرية القدر أن تسعى بعض الدول للحديث عن محاربة الإرهاب وتصنيفاته وهي من الدول التي شكلت داعماً للإرهاب لوجستياً ومالياً.
لن تكون توصيات القمة إن حصلت وكانت كما يُسرَّب، مؤثرة. والتحريض على إيران أو التقارب من الكيان الإسرائيلي ليس بجديد سوى أنه خرج الى العلن. فيما تبني أمريكا آمالها على أرض متحركة، تتشكل من عربٍ لم يجمعهم سوى الخلافات، وغياب التخطيط والبعد عن طموحات شعوبهم.