الوقت- كشفت الخارجية الأمريكية أمس السبت في بيان صادر عن مكتب المبعوث الخاص لسوريا، عن موقف لافت حول "هيئة تحرير الشام" عنونته بـ"بيان توضيحي حول موقف الولايات المتحدة من هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة في سوريا". وقد أكد البيان بشكل واضح وصريح أن كل من يندمج مع الكيان الجديد سيصبح جزءا من شبكة القاعدة في سوريا.
هذا وأكد البيان أن المكون الأساسي للهيئة إنما هو "جبهة النصرة" المدرجة على لائحة الإرهاب. وهي كيان اندماجي صاحب قرارها الحقيقي هو أبو محمد الجولاني والآخرين ممن تسلموا مسؤوليات فيها إنما لتجميل هذا التشكيل، بهدف محاكاة الاعتدال عبر التقية القاعدية. خاتما "لا تنخدعوا بهؤلاء المجرمين المصممين على جلب الدمار إلى سوريا والسير بالمعارضة السورية إلى الانتحار".
وأما حول هيئة تحرير الشام فقد تم الإعلان عن تأسيسها أواخر كانون الثاني يناير الماضي، وقد جاء في بيان تشكيلها أن "جبهة فتح الشام"، "حركة نور الذين زنكي"، "لواء الحق"، "جبهة أنصار الدين" و"جيش السنة" يعلنون حل فصائلهم واندماجهم بشكل كامل ضمن ما سموه بهيئة تحرير الشام بقيادة أبو جابر هاشم الشيخ.
فقد تم تشكيل الهيئة المذكورة في ظل صراعات حادة مع "أحرار الشام" الفصيل الذي يحمل الخطاب الإخواني ويمثل تركيا بشكل شبه كامل في الأزمة السورية. طبعا خفت وطأة هذه المواجهات بين الطرفين إثر تدخل ما يسمى بشرعيي التنظيمين ولكن جوهر الخلاف هو نفسه حيث يسعى الطرفان كل لإلغاء الآخر. وقد عبر البيان الأمريكي بشكل لافت أيضا عن دعمه وثقته بتنظيم أحرار الشام، فأورد في مقدمته مهاجما هيئة تحرير الشام قائلا "إن أعمالهم التدميرية طالت حركة أحرار الشام وغيرها ممن هم من أشد المدافعين عن الثورة" في غزل صريح للحركة الحليفة لتركيا وهذا الأمر لا يمكن إلا الوقوف عنده في هذه الظروف بالذات.
حيث يتزامن هذا الغزل مع مرحلة من التوتر الأمريكي التركي حول الحماية الأمريكية للأكراد، وما حصل مؤخرا من تدخل الأمريكيين بشكل مباشر للفصل بين العدويين اللدودين. إذا يريد الأمريكيون إيصال رسالة ضمنية للأتراك يقولون فيها بأن الملف الكردي ليس الوحيد الذي يربطهما، وإنما هناك ملفات أخرى تهم التركي. ومن الأكيد أن الأمريكيين لا يحبذون استمرار الخلاف مع تركيا، وإنما يريدونها حليفا دائما لهم. خاصة أن الأمريكي بدأ يتخوف من البراغماتية التركية الأردوغانية التي قد ترميهم في حضن موسكو بشكل قد يشكل ضررا استراتيجيا عليهم، ضرر قد لا يمكن احتواؤه مستقبلا.
طبعا سبقت هذه الخطوة الأمريكية خطوات أخرى، منها الاتفاق الذي تم بين رئيسي هيئة الأركان التركي والأمريكي أواسط شباط فبراير الفائت حول مكافحة التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق وعلى رأسها تنظيمي داعش والبي كي كي الكردي. واعتبر ذكر البي كي كي في حينها إرضاءً شكليا للطرف التركي المتوجس من دعم أمريكا للأكراد في سوريا.
ختاما يبقى هذا البيان ضمن المناورات الأمريكية الإعلامية، التي تستفيد منها أمريكا في خداع الرأي العام وخاصة الداخلي الأمريكي كما أنها تغازل وتغيظ حلفاء لها عبر عبارات رنانة لا قيمة عملية لها. فمنذ بداية الأزمة السورية إلى اليوم لم يقدم الأمريكيون على ما هو خير للشعب السوري وإنما سعوا إلى تدمير سوريا وسلب مقدراتها. وكذلك الحال في العراق والتحالف الدولي الذي تقوده الأخيرة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.