الوقت - بمرور نحو شهرين على دخول الرئيس الأمريكي الجديد البيت الأبيض وبعد أن أثارت حملته الانتخابية الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية على المستويين الداخلي والعالمي، أظهرت الحقائق التي أفرزها الوقائع الهوة بين وعود ترامب ومدى قدرته على ترجمتها على أرض الواقع.
فقد وعد ترامب الشعب الأمريكي بتحقيق كافة تطلعاته وطموحاته إلى درجة تجعله يطالب البيت الأبيض بالكف عن تحقيق المزيد من الإنجازات، حسب زعمه، لكن الواقع أظهر بشكل واضح أن هذه الوعود لم تكن سوى سراب وكانت تهدف فقط إلى كسب أصوات الناخبين دون القدرة على تنفيذها على الصعيدين الداخلي والخارجي. ويمكن الاستدلال على هذه الحقيقة من خلال الوقائع التالية:
- فشل ترامب في إيجاد البديل لخطة التأمين الصحي التي كانت سائدة في زمن سلفه باراك أوباما والتي كانت تشمل نحو 20 مليون أمريكي وكانت تعرف باسم Obamacare "أوباما كير" وألغاها ترامب في العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، أي في اليوم الأول من تولى مهام مسؤوليته في قيادة البيت الأبيض. ويهدف قانون الرعاية الصحية الذي وقعه أوباما عام 2010 إلى توفير التأمين الطبي لنحو 95% من الأمريكيين بحلول 2019.
- اخفق الرئيس الأمريكي الجديد في إيجاد بديل لاتفاق الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية عبر المحيط الهادئ التي تعرف اختصاراً باسم (TPP) والتي أمر ترامب بالانسحاب منها في الثالث والعشرين من يناير الماضي. وتهدف الاتفاقية إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ وهي تضم كلاً من بروناي وشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة وأستراليا وماليزيا وبيرو. وكان من المفترض أن يتم توقيع هذه الاتفاقية من قبل واشنطن بعد تمريرها في مجلس الشيوخ الأمريكي خلال العام الجاري.
- فشل ترامب في تمرير قراره الذي أصدره في اليوم السابع من دخوله البيت الأبيض والقاضي بمنع رعايا سبع دول إسلامية من دخول أمريكا بحجة محاربة "التطرف" والذي أثار موجة من الاحتجاجات العارمة في الدخل والخارج، الأمر الذي دعا القاضي الفيدرالي الأمريكي "جيمس روبارت" في وقت لاحق إلى إبطال مفعول هذا القرار الذي وصفه الكثير من الحقوقيين بالهمجي والعنصري. وبالفعل أعادت شركات الطيران قبول صعود الركاب المتوجهين إلى أمريكا من الدول السبع إلى طائراتها، شرط أن تكون بحوزتهم تأشيرات دخول. ورغم تعطيل القضاء لمحاولته الأولى وقّع ترامب الاثنين الماضي أمراً تنفيذيا جديداً حول حظر سفر مواطني 6 دول ذات أغلبية مسلمة إلى أمريكا، هي إيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
- اضطر ترامب لتغيير موقفه من طرد 11 مليون مهاجر بحجة عدم حصولهم على تراخيص للإقامة في أمريكا بشكل قانوني، وذلك بعد تحذيرات أطلقها الكثير من المراكز الحقوقية والقانونية من أن إجراءً تعسفياً كهذا سيؤدي إلى تشتيت عشرات الآلاف من الأسر التي تقيم في أمريكا منذ أعوام، وتساهم في دفع عجلة الاقتصاد في عموم البلاد.
- خلال حملته الانتخابية هدد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) التي تضم بالإضافة إلى أمريكا كلاً من روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكن تهديداته ذهبت أدراج الرياح بسبب الإجراءات التي اتخذتها إيران من جانبها لبيان عدم قانونية اتخاذ مثل هذا الإجراء، إلى جانب رفض موسكو وبكين والاتحاد الأوروبي تغيير أي من بنود الاتفاق النووي الذي حظي بتأييد مجلس الأمن الدولي ودخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016.
- فشل ترامب في تنفيذ تهديداته بإرغام المكسيك على دفع تكاليف بناء جدار عازل على حدود أمريكا في غضون 180 يوماً وذلك بعد أن أعلن الرئيس المكسيكي "إنريكي بينا نييتو" رفضه التام لهذا التهديد.
- خلال حملته الانتخابية، هدَّد ترامب بفرض رسوم جمركية ثقيلة على الواردات الصينية، واعتبار الصين متلاعبة بالعملة منذ "اليوم الأول" له في المنصب. وبعد فوزه بفترة وجيزة، تلقى ترامب مكالمة تهنئة هاتفية من رئيسة تايوان، فانحرف بذلك عن العقيدة الدبلوماسية التقليدية التي دامت نحو أربعين عاماً. ثم قطع ترامب خطوة أخرى على نفس المسار، فاقترح علانية أنه يعتزم استخدام سياسة "الصين الواحدة" كورقة مساومة في المفاوضات بشأن القضايا الاقتصادية والأمنية، ولكنه تراجع بعد أن أعلن الرئيس الصيني "شي جين بينج" أنه لن يتحدث مع ترامب على الهاتف قبل أن يضمن تعهده باحترام سياسة الصين الواحدة. وفعل ترامب ما طلبه الرئيس الصيني بالضبط، من دون أن يحصل منه على أي شيء في المقابل. ومن المؤكد أن ترامب سيجد صعوبة بالغة في تأمين التنازلات من جانب الصين بشأن القضايا المتعلقة بالتجارة والأمن. وتشير بيانات إلى أن صادرات الصين إلى أمريكا بلغت عام 2015 نحو 410 مليار دولار، فيما حذرت صحيفة "غلوبال تايمز" التي تديرها الحكومة الصينية الشهر الماضي من أن قطاع الأعمال الأمريكي سيكون مستهدفاً في حال نشوب حرب تجارية بين بكين وواشنطن.