مقدمة
الوقت- الاكتشافات المدهشة التي تحققت في القرن الماضي في بلاد مابين النهرين والتي تمثلت بفتح القبور الملكية في مدينة أور وكذلك العثور على النصوص الأدبية في مدينة نيبور ومناطق أخرى كثيرة جعلت العراق مفتاح الحضارة الكونية وخالق الأبجدية في المعرفة والتعليم، تلك الجهود كانت تتواصل ضمن فضاء الانتماء الوطني بما يعزز جهود علماء التنقيب عن الآثار في العراق وكان ثمة أجزاء مكملة للمعرفة البشرية في تلك المقابر لم يتم اكتشافها بعد بسبب ظروف كثيرة مرت على البلاد، من يجزم أنها لم تتعرض للنهب كما تعرضت بقية المواقع التي تضم تلك الألواح ومفردات الحضارة السومرية العظيمة من قبيل الأختام والنصب والتماثيل ونصوص الشرائع والمعرفة الأولى، ما هي يا ترى الآثار التي فقدت؟ كيف انتقل هذا التراث الغني الى خارج العراق ليستقر في متاحف واشنطن ومن ساعدهم في ذلك؟ أليسوا أعداء للحضارة والبشرية وفي المقدمة أعداء وطنهم وشعبهم؟
أوقات عظيمة وجهود شاقة كبيرة وأموال صرفت من أجل الوصول إلى أي كشف يتعلق بإشهار تفاصيل حضارة البشرية الكونية الأولى المدفونة في تلك التلال الموجودة في جنوب العراق، الكم الهائل من الألواح المسمارية والمدون فيها من معلومات ثقافية وأدبية وآداب ونصوص وشرائع وقوانين ونماذج من العملات المعدنية وكذلك الأختام الأسطوانية والتماثيل تلك رموز سومر – رموز حضارة العراق القديم والمعاصر المصنوعة من البرونز ومئات آلاف الأجسام الأخرى غير المعروفة أو غير الموثقة في المتاحف العراقية والعالمية أكثر من 2000موقع آثار في جنوب العراق، تعرضت لفعل التحطيم والتدمير الهمجي الذي مارسه الغوغاء بأعصاب باردة وضمير ميت ..! لقد ارتكبوا مخالفة صريحة ومقصودة للقوانين العراقية واختزلوا جميع الأعراف والقيم الوطنية .
مخطط نقل الآثار لمتاحف واشنطن
نعود بالتاريخ الى العام 10/4/2002 أي قبل عام كامل من الغزو الامريكي للعراق وصلت لعالم الاثار العراقي ومدير البحوث في المتحف العراقي في بغداد الدكتور (دوني جورج) معلومات مؤكدة من بريطانيا تفيد بان مجموعة من المتخصصين بالآثار في جامعة كامبردج يضعون خطة للاستيلاء على آثار عراقية معينة عندما تقوم أمريكا بغزوها المتوقع للعراق، وكان هذا الامر يتسق مع معلومات سابقة لدى الجهات الامنية العراقية على خلفية مطالبات غربية مرتبطة بالحركة الصهيونية بالحصول على الارشيف اليهودي العراقي الذي يحتوي على قرابة 3 آلاف وثيقة و1700 تحفة نادرة توثق للعهود التي سبي خلالها اليهود في العراق وهما السبي البابلي الاول والسبي البابلي الثاني إضافة الى اثار يهود العراق آنذاك وإلى مدد أبعد من العهد البابلي مع اقدم نسخة للتلمود عرفها العالم وأقدم نسخة للتوراة ومخطوطات الامر الذي دفع الجهات الحكومية العراقية للتحفظ عليها في مبنى المخابرات العراقية في حين جرى التحفظ على آثار ثمينة اخرى في مبنى البنك المركزي العراقي !
تعد اهم محطتين في سرقة الآثار العراقية ابان الاحتلال الامريكي للعراق للمتحف العراقي بالاضافة الى كنز النمرود مع عدم إغفال الذكر عن سائر المتاحف المتوزعة على سائر الاراضي العراقية ولكن نذكر اهمها للاختصار :
المتحف العراقي :
وبعد يوم من احتلال بغداد وبالذات في يوم 10/4/2003 قامت مجموعة من 400 شخص مسلحين بمختلف أنواع الاسلحة وتحت انظار وحماية دبابة امريكية كانت تبعد 70 مترا عن مدخل المتحف باقتحام المتحف العراقي من ثلاثة اماكن مستهدفة مخازن التحف الاثارية التي تحوي آثارا وتحفاً معينة بالإضافة الى سرقة السجلات والوثائق الخاصة بالآثار السومرية والبابلية التي كانت موجودة في المتحف العراقي. وتشير التحقيقات التي أجراها الدكتور دوني جورج في المتحف الوطني بدمشق 2006 انه في 13/2003 اي بعد يومين من السرقة ثبتت ان السرقة كانت عملية منظمة وليست عشوائية او نتيجة اعمال شغب وان من قام بها مافيا كبيرة وان هناك تحضيراً وترتيباً مسبقاً خصوصا ان هناك قطعاً اثرية عديدة وصلت بعد اقل من اسبوعين من السرقة الى امريكا واوروبا وهي فترة قياسية تدل على ان من قام بذلك مافيا منظمة وكبيرة جدا .
وتضيف الدراسىة أن اللصوص فتحوا خزانة كان فيها مجاميع من الاختام لكنهم اختاروا منها 9 قطع فقط وهي الاغلى ما يشير الى ان هناك تحضيراً وترتيباً مسبقاً للسرقة. وفي هذا السياق يؤكد عالم الآثار العراقي رائد عبد الرضى: (أن أعمال النهب دامت يومين (الخميس والجمعة في العاشر والحادي عشر من نيسان) وبالإضافة الى (الحواسم) كان هناك لصوص محترفون وخبراء وقد شوهد بعضهم يعتني بالتحف بمهارة المحترفين خوفا من أن تصاب بعطب ما حيث وضعوها في صناديق مجهزة أحضروها معهم وأوصلوها الى سيارات النقل المتوقفة خارج المتحف والتي كانت بانتظارهم ).
كنز النمرود :
في ذات الوقت قامت القوات الامريكية المحتلة التي احتلت مبنى المخابرات العراقية في الحارثية بالاستيلاء على الارشيف اليهودي العراقي الذي كان موجودا في المبنى بإشراف ممثل وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) الدكتور اسماعيل حجارة وهو امريكي الجنسية أرسل من امريكا للإشراف على نقل الارشيف اليهودي (خ1616لسة) الى نيويورك (انظر اسامة ناصر النقشبندي استهداف المخطوطات في العراق خلال الحرب 2003 ).
ثم قامت القوات الأمريكية المحتلة وبدلالة احد المتعاونين معها بالتوجه إلى موقع تخزين كنز نمرود الخرافي في احد اقبية البنك المركزي العراقي والاستيلاء على650 قطعة ذهبية أثرية مختلفة الأحجام لا تقدر بثمن تظهر نمط الترف الذي كان موجودا في دولة النمرود. وقامت القوات الأمريكية بعرض هذه النفائس الأثرية أمام الجمهور في المتحف العراقي أواخر عام 2003 بحضور الحاكم المدني بول بريمر الذي اعتبر الأمر فتحا أمريكيا كبيرا، قبل أن تبدأ موجودات الكنز الذهبي بالتناقص شيئا فشيئا حتى اختفت تماما في ظل أجواء الرعب والفوضى التي سادت العراق إبان سنوات العنف الدامية .
ثم توجه فريق امريكي من المتخصصين بالآثار السومرية والآشورية بالتوجه الى الموقع الذي اكتشف فيه كنز النمرود عام 1992 وتحت حراسة مدرعات امريكية وقامت بعمليات بحث وتنقيب جديدة ثم قام فريق التنقيب نفسه بإجراء مسح معمق وتتبع نهر الفرات باحثا عن أمور لم يكشف النقاب عن اهدافها ومبتغاها. وما يثير الاستغراب تجاهل الإعلام لحادث ظهور واختفاء كنز النمرود ومرور وسائل الإعلام مرور الكرام على حادث بهذا الحجم في الخطورة والأهمية وسط تعتيم مشدد يمنع تسريب ولو معلومة صغيرة عن مصير كنز نمرود الأسطوري .
أهم الآثار المسروقة وأنواعها :
تمثال الملك السومري (أنتمينا) المصنوع من الحجر الأسود
تمثال ضخم من البرونز وزنه 272 كيلوغراما ويعود إلى مملكة أكاديا، وقد نهب عن طريق فتحة في الجدار .
رأس تمثال أسد نمرود المصنوع من الحجر الجيري ويرجع إلى العصر البابلي .
تمثالان من البرونز لثورين يعودان إلى 2500 قبل الميلاد .
تمثال باسيتكي ووجه من الرخام لامرأة سومرية .
تمثال ورأس تمثال تعود إلى الفترة الرومانية من مدينة الحضر .
تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك والمعابد السومرية .
تمثال هرمس من نينوى .
تمثال نحاسي لرجل جالس يعود إلى فترة الملك ناران-سن الأكدي من عام 2250 قبل الميلاد .
كما نهب من المخازن 4795 ختما أسطوانيا و5542 عملة معدنية وقناني زجاجية وخرز وتعاويذ ومجوهرات. ولم تنج من عمليات النهب سوى قاعة واحدة هي القاعة الآشورية الكبرى بسبب ضخامة محتوياتها .
الجهات المتآمرة :
وتصنف بعض المصادر الجهات التي أشرفت على سرقة الآثار العراقية الى ثلاث جهات :
-1- لصوص محترفون: وقد نهبوا ما نهبوه بدقة عالية وطريقة مدروسة ومنظمة حيث توجهوا الى الاثار النادرة وغير المكررة وذات القيمة العالية التي يعرفون انها ستباع بأغلى الاثمان التى يطلبونها، فعلى سبيل المثال سرقت احجار مختومة باسماء ملوك ومعابد سومرية وتركت مسلة حمورابي الموجودة معها في نفس الواجهة الزجاجية لانهم يعرفون ان هذه الاحجار المختومة التي سرقوها اصلية، اما المسلة فهي نسخة جبسية منقولة عن النسخة الاصلية الموجودة في متحف اللوفر الفرنسي، لذلك تركوها .
-2- لصوص غير محترفين: وهم الذين لا يعرفون قيمة ما نهبوه فكانوا يسرقون من أجل السرقة فقط ويبيعون ما حصلوا عليه من كنوز ثمينة بأسعار زهيدة .
-3- لصوص مؤدلجون: وقد كانت وراء سرقتهم نية مبيتة تهدف إلى طمس حقائق تاريخية معينة .
الا ان الجدير بالذكر وعلى مدى اعوام لا زال العراق بمساعيه الحثيثة يطالب باسترجاع كافة المفقودات الأثرية فقد تمكنت السلطات العراقية من استرجاع نحو 130 الف قطعة أثرية سُرقت من مواقع مختلفة داخل العراق نفسه ولكن ما زالت هناك آلاف القطع الأثرية المفقودة .
وفي هذا الاطار توصلت الحكومة العراقية الى اتفاق مع نظيرتها الامريكية على إعادة أكثر من عشرة آلاف قطعة أثرية عراقية موجودة في أمريكا على مراحل ولا زالت الجهود مستمرة .....