الوقت - تسلم الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب مهام عمله في البيت الابيض مع ترسانة كبيرة من تركات الحروب والاحتلالات والتدخلات الخارجية العسكرية وغير العسكرية في العالم والتي خلفها له رؤوساء سبقوه الى هذا المنصب. من تلك الاحتلالات والتدخلات الخارجية وإشعال الفتن وتأجيج المشاكل وتمرير المؤامرات، تأتي القضية الفلسطينية في صدر قضايا الشرق الاوسط.
والتساؤل المطروح: هل ستشهد القضية الفلسطينية تغييراً استراتيجياً أو تكتيكياً في السياسة الخارجية الأمريكية خلال عهد ترامب، أم ستتواصل ذات السياسة التي كانت في زمن أسلافه طيلة العقود الماضية؟
للإجابة عن هذا التساؤل هناك ثلاث فرضيات محتملة يمكن الإشارة إليها إجمالاً على النحو التالي:
الأولى: إنعاش التسوية؛ وهذا السيناريو يمكن أن يتحقق في حال:
- تمكن ترامب من لعب دور حيادي في التوسط بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، أي التحرك باتجاه إقناع الطرفين على تقديم "تنازلات" للتوصل إلى تسوية بين الجانبين.
- التنسيق بين أمريكا وروسيا وباقي أعضاء اللجنة الرباعية الدولية ومجلس الأمن الدولي للضغط على "إسرائيل" لإرغامها على مواصلة محادثات التسوية مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة.
- تحرك الدول الأوروبية خصوصاً التي تعاني من أزمة اللاجئين لإقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالضغط على "إسرائيل" وإرغامها على التسوية كمقدمة لإعادة الأمن والاستقرار إلى الشرق الأوسط وتهيئة الأرضية لعودة اللاجئين إلى بلدانهم في هذه المنطقة.
- خفض مستوى الدعم الذي تقدمه أمريكا للكيان الإسرائيلي كوسيلة للضغط عليه للقبول بالتسوية مع الجانب الفلسطيني.
الفرضية الثانية: مواصلة واشنطن لسياستها السابقة تجاه القضية الفلسطينية. وهذه الفرضية تقوم على ما يلي:
- التأكيد على الدعم العلني لكيان الاحتلال خصوصاً فيما يتعلق ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة لاسيّما في الضفة الغربية، وذلك في إطار الدعم الشامل الذي أعلن عنه ترامب مراراً لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو". مستشار ترامب أكّد خلال حملته الانتخابية "ديفيد فريدمان" أن الرئيس لا يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة غير قانونية، خلافاً للمجتمع الدولي.
- إصرار الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب والذي يهيمن على الكونغرس الأمريكي على مواصلة الدعم للكيان الإسرائيلي ومنع أي محاولة لتخفيف الضغط عن الشعب الفلسطيني.
الفرضية الثالثة: زيادة الدعم للكيان الإسرائيلي؛ وهذا السيناريو تعززه الحقائق التالية:
- تعهد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة واعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي. وهذا الأمر لم يتمكن جميع الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوا ترامب من تنفيذه على أرض الواقع.
- التخلي عمّا يسمى "حل الدولتين" الذي روّج له الرؤساء الأمريكيون السابقون خصوصاً "باراك أوباما"، وهو ما ألمح إليه أيضاً مستشار ترامب "ديفيد فريدمان" عندما قال بأن ترامب لديه "شكوكاً عميقة" حيال فرص حل الدولتين لإنهاء النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وأشار فريدمان كذلك إلى أن "إدارة ترامب لن تضغط على إسرائيل لحل الدولتين أو أي حل آخر ضد رغباتها".
- خفض مستوى الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وهو أمر يحظى أيضاً بدعم الكونغرس الذي يهيمن عليه حزب ترامب " الجمهوري" كما أسلفنا.
- توظيف اعتراض ترامب على الاتفاق النووي مع إيران لصالح الكيان الإسرائيلي، والضغط على محور المقاومة الذي تدعمه طهران بهدف إضعافه لصالح كيان الاحتلال أيضاً.
من خلال قراءة هذه السيناريوهات يبدو أن السياسة الأمريكية لن تشهد تغييراً تجاه القضية الفلسطينية، فيما يرجح الكثير من المراقبين بأن تعمد واشنطن إلى مضاعفة دعمها لكيان الاحتلال في ظل تصريحات ترامب ومساعديه ومستشاريه في هذا المجال والقرائن الأخرى التي أشرنا إليها خلال المقال وفي مقدمتها وعود ترامب لهذا الكيان بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والتحرك باتجاه دعم مواصلة بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتخلي عن "حل الدولتين".