الوقت- مرّة أخرى، تؤدي دولة البحرين دور رأس الحربة في المواجهة "المفترضة" مع إيران. بالأمس، أعلن وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، عن تأسيس لجنة دائمة في الجامعة العربية تحت مسمى "التدخلات الإيرانية في الدول العربية" بعضوية "البحرين ومصر والإمارات والسعودية".
الإعلان الجديد الذي اعتبر أن إيران تحتل المركز الأول في تهديد أمن دول المجلس، أوضح "أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه تهديدات كثيرة متداخلة وشائكة بالإضافة إلى التهديد الأمني المباشر القادم من الحدود اليمنية والعراقية".
إعلان الوزير البحريني الذي أعدمت عائلته الحاكمة ثلاثة شبّان قبل أيام في ظل غياب المحاكمة العادلة، ووسط مطالبات حقوقيّة ودوليّة بالتوجّه لمطالب الشعب البحريني، تضمّن جملة من التساؤلات في الشكل والمضمون.
ربّما نتفهّم تضمّن اللجنة عضويّة، إلى جانب البحرين، كل من الإمارات والسعوديّة باعتبارها تجري في فلك الأخيرة، ولكن لا ندري ما السبب في إضافة مصرعلى اللائحة، رغم أن القاهرة لا تربطها ملفات شائكة، وغير ذلك، مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
ربّما، أوعزت السعوديّة إلى البحرين بالإعلان عن هذه اللجنة بغية التقارب مع مصر في ظل العلاقات الشائكة بين البلدين، وهذا ما يفسر الإعلان عنها في الجامعة العربية، لا مجلس التعاون.
لطالما كنا من دعاة الوحدة العربية في مواجهة التحدّيات، وفي مقدّمتها الكيان الإسرائيلي الذي يغتصب الأراضي الفلسطينية، وبالتالي، لم يكن مستبعداً الإجراء البحريني الجديد الذي يأتي بعد أيام على استضافة الملك حمد في قصره وفد صهيوني، فمن يتواطأ مع العدو، أو يتعاون معه على أقل تعبير، ليس من المستبعد أن يلجأ لإيجاد أعداء جدد بغية التعمية على تجاهله للقضيّة الفلسطينية التي لا زالت تشكّل بوصلة الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة.
لطالما رفضت إيران الاتهامات البحرينية والسعودية في التدخّل بشؤون المنطقة، لكن الإصرار السعودي يهدف لتحويل بوصلة العداء من الكيان الإسرائيلي إلى ايران الإسلاميّة، ولا نستغرب طرح هؤلاء الدول، وبشكل رسمي، التعاون مع الكيان الإسرائيلي في مواجهة ايران. هذا ما طرحه نتنياهو سابقاً، وبعض العرب "الصهاينة"، فمن سيكون المستفيد يا ترى؟ الصهاينة أم الفلسطينيين؟
نعم، لم تخفِ إيران في يوم من الأيّام دعمها لخيارات الشعوب في تقرير مصيرها، مؤكدةً على ذلك في أكثر من مناسبة سواءٌ في البحرين، سوريا، اليمن أو حتى كافّة دول العالم. الأنظمة الملكية لا تفقه هذه اللغة، وهذا ما يفسّر كلام الوزير البحريني الذي يرى في أي دعم إيراني سياسي لخيارات الشعوب "تدخّلاً سافراً".
لكن الاتهام البحريني الجديد الذي يهدف لتبرير أي خطوة عدائية تجاه الشعب البحريني، كما حصل قبل أيام، يسعى أيضاً لتبرير الفشل السعودي في مختلف الملفات الإقليمية عبر إيجاد عدوّ مفترض هو "العدو الإيراني". "العدو الإيراني"، هو الذي يدعم الشعب والمقاومة الفلسطينية منذ العام 1979، وتتربّع القضيّة الفلسطينية على سلّم أولوياته الخارجيّة. "العدو الإيراني" هو الذي وقف إلى جانب المقاومة في لبنان ضد الكيان الإسرائيلي. "العدو الإيراني" هو الذي يدعو إلى احترام خيارات الشعوب في كافّة الدول بدءاً من سوريا والعراق، ووصولاً إلى اليمن والبحرين، بخلاف هذه الدول التي تدعم بعض الرؤساء المنتهية الصلاحية هنا، وتحارب رؤساء آخرين منتخبين شعبياً هناك. إذا المشكلة في المبدأ قبل التطبيق.
في الحقيقة، إن مشكلة هؤلاء ليست مع ايران، بل مع كافة الشعوب العربية التي تدعم خيار المواجهة مع الكيان الإسرائيلي من ناحية، وترفض السياسة الخليجية "الاستبداديّة" من ناحية أخرى. لا ندري ما الصلة بين اعتراضات الشعب البحريني السلمية التي بدأت مع ما يسمّى بـ"الربيع العربي"، والدور الإيراني، وما ذنب الشعب اليمني الذي يتعرّض للقصف السعودي منذ حوالي السنتين. إن ما یسمی ب"العدوّ الإيراني" هو الذريعة التي تستخدمها هذه الدول لتمرير سياساتها العدوانية، وهذا ما يفسّر خشيتهم من التقارب مع إيران، الذي سيفقدهم سلاحاً قويّاً في مواجهة شعوبهم.
اليوم، يسعى هؤلاء للترويج إلى نوع جديد من الخطابات، ففي علاقاتهم مع الصهاينة، لا اليهود، يتذّرعون بحوار الأديان مستشهدين بآية" خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، وأما في علاقتهم مع إيران الإسلاميّة يغلب الطابع العرقي على لهجتهم وتصرّفاتهم بين عربي وفارسي، إذا تكفي مراقبة المقالات والأخبار التي تصدر عن صحفهم المعروفة لفهم هذا الواقع التفتيتي الذي يروّج له هؤلاء.
كان حريّ بوزير الخارجية البحريني الذي تحدّث عن تطبيق الآلية المقترحة عبر مسارات عدّة منها، "المسار الوطني داخل دول مجلس التعاون، المسار الخليجي في إطار مجلس التعاون، المسار السياسي والدبلوماسي، المسار الاقتصادي والتجاري، والمسار الثقافي والإعلامي"، أن يشكّل هذه اللجنة في مواجهة الكيان الإسرائيلي، وبالتعاون مع إيران التي وقفت منذ العام 1979 إلى جانب الشعب الفلسطيني، ولا زالت حتّى اليوم رغم الكثير من الضغوطات التي تتعرّض لها في هذا السياق في ظل تخلّي الكثير من الأنظمة العربية عن هذا الشعب المظلوم، ولكن كما يقول الشاعر: ولا ترجو السماحة من بخيلٍ، فما في النار للظمآن ماءُ.